+ A
A -
امتلك الكاتب الأميركي «هنري ميلر» الشجاعة ليتحدث عن نفسه وأفكاره وتجاربه في الحياة بدون تجميل أو كذب، تختلف معه أو تتفق، لكنك لا تملك الا ان تحترم صراحته وصدقه، الذي يجده البعض فجاً وصادما، لكن أليس الصدق أفضل من الكذب؟ أليس من الافضل ان تحاسب نفسك قبل ان تطلق الأحكام على الاخرين، ثم ما نوع الاتهامات التي يمكن ان توجهها لمن يكتب هذا الكلام «كائنا ما كنت-حاكما-قاضيا-عاملا-أو متسكعا-فكر وأرحم روحك، ومهما أصبح عقلك ضبابيا بسبب القوة، والسلطة والغنى، ومهما نالك من سوء معاملة ومضايقة بسبب الفقر والذل، تذكر أنك تملك وتظُهر روحا سامية تسألك بوضوح الآن:«لماذا تسبب الآلام لكل من حولك؟ وفي كتابه «منعطف الثمانين» أجاب عن السؤال الذي يطرحه كل من يود ان يصبح كاتبا:-«الفضول لمعرفة أي شيء وكل شيء هو ما صنع مني كاتباً، الفضول الذي لم يتخلّ عني أبداً، إلى جانب هذه الخصلة أدين بالفضل لخصلة أخرى أضعها فوق كل اعتبار، وهي حاسة «الدهشة» لا تهمني قيود حياتي كلها، لكنني لا أستطيع أن أتخيل أن تتركني الحياة فارغاً من الدهشة. أسمّيها إلى حد ما: ديني. أنا لا أتساءل أبداً عن هذا الوجود الذي نسبح فيه، كيف جاء وخُلق. أنا أستمتع به وأقدّره فحسب. لعلّ مصدر الراحة الأكبر في الشيخوخة هو قدرتنا المتزايدة على عدم أخذ الأشياء بجدية مبالغة. إن أحد أكبر الاختلافات بين الحكيم الحقيقي والواعظ هو: المرح. حين يضحك الحكيم، يضحك من قلبه، وحين يضحك الواعظ -إن حدث ذلك - فهي ضحكة وجه لا أكثر. كلما تقدم بي العمر، أفكاري المثالية التي طالما أنكرتها... تتغير. أفكاري المثالية في أن أكون متحرراً من كل المثاليات، متحرراً من المبادئ، متحرراً من المذاهب والآيديولوجيات. أريد أن أمضي في محيط الحياة كما تمضي السمكة في البحر! لم أعد أبذل جهدي لأقنع الناس بوجهة نظري عن الأشياء، ولا لمعالجتها. لم أعد أيضاً أشعر بالفوقية لأنهم يفتقدون الذكاء، كما كان يبدو لي. يمكننا أن نحارب الشر، لكننا أمام الغباء لا نستطيع فعل شيء. لقد تقبّلت الحقيقة كما هي، ومهما كانت قاسية: البشر يميلون إلى التصرف بطريقة تجعل الحيوانات تشعر بالخجل. المثير للسخرية وللألم معاً هو أننا غالباً نتصرّف منطلقين - بشكل منحط - مما نسميه الدوافع العليا. الحيوان لا يبرر قتل ضحيته، أما الحيوان البشري فيذكر اسم الرب حين يذبح أخاه الإنسان.. لطالما كان شعاري: «امرح دائمًا وتألق». ولعل هذا هو السبب الذي لا يجعلني أملّ من تكرار مقولة رابليه: «بقدر آلامك، أمنحك الفرح» حين أنظر إلى الخلف لأرى حياتي، حياتي المليئة باللحظات التعيسة، أراها ضرباً من السخرية أكثر من كونها مأساة، الشخص الذي يأخذ حياته بجدية أكبر مما يلزم هو شخص منته لا محالة. الخطأ ليس في الحياة بحد ذاتها، فالحياة مجرد محيط نسبح فيه، وعلينا أن نتكيّف معه أو نغرق إلى الأسفل. لكن السؤال هو: هل بإمكاننا كبشر ألا نلوث مياه الحياة، وألا نحطّم الروح التي تسكن داخلنا؟ كان الرسام الاسباني«بيكاسو» يقول: «في الستين يشعر المرء بالشباب، حين يكون الوقت قد فات جداً». في هذا العمر، فقدتُ الكثير من أوهامي، لكنني لحسن الحظ لم أفقد حماستي، ولا استمتاعي بالحياة، ولا فضولي الجامح.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
03/12/2017
3296