+ A
A -
تستقبل الدوحة الخميس المقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتوقيت الزيارة له خصوصية كبيرة في ظل الأزمة الخليجية، سواء لتميّز موقف باريس وبرلين، الذي نسّق مع المؤسسات الأميركية، لمواجهة دعم الرئيس ترامب للعمل العسكري والتصعيد ضد قطر، وانتهى إلى قناعة بوقفه تبناها ترامب متأخراً، دون أن يتبنى إنهاء الأزمة الخليجية.
أو كان ذلك للتحسن المطرد للعلاقة الفرنسية القطرية، والتي اعتمدت على مصالح اقتصادية مشتركة، إضافة إلى قناعة باريس أن تفجير التوتر في منطقة الخليج العربي، كان خطراً بالغاً مضراً بمصالح أوروبا، التي بدأت تتباين مع واشنطن، خاصة اليمين الحاكم في البيت الأبيض، والذي لا يتنافى مع مفهوم الصراع، بين أوروبا القديمة وأوروبا الجديدة (الولايات المتحدة الأميركية)، لتحقيق أكبر سهم ممكن من حصاد المصالح.
غير أن لشخصية ماكرون، والتي واصلت إعطاء رسائل خارجية حيوية منذ فوزه، كممثل ليسار الوسط ذو النزعة اللبرالية في الاقتصاد، فإن هناك فارقاً آخر، نجحت فيه شخصيته في سحب التوتر، من آخر قضية صعدت على السطح، في ظل الصراع الإيراني السعودي، وهي قضية رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
فالأزمة التي اشتعلت بسبب رغبة الرياض، الرد على إيران عبر ذراعها الحيوي في لبنان، بعد قصف الحوثي للعاصمة السعودية، جاءت مفاجأة وأقلقت الجميع في لبنان بما فيهم سنته وعروبيّيه، المؤمنون بالاجتياح السياسي الإيراني لبلادهم.
لكن بالمقابل فإن الرد السعودي الذي طرح ومهد له، كان يعني خطراً بالغاً على أمن المجتمع القومي، وخلط أوراق تعود بعده إيران، للتقدم على حساب دماء اللبنانيين، إضافة إلى استدعاء التدخل الإسرائيلي ليس في الضربة، فتل أبيب كانت ذكية وانسحبت من أجوائها، ولكن استدعاءها كان فيما قد يُخلق من أرضية، لحرب أهلية في لبنان بعد ذلك.
هنا لعبت الوساطة الفرنسية دورها، سواء في معالجة المأزق الشخصي لوجود الرئيس سعد الحريري في الرياض، أو في سحب برنامج الرد العسكري السعودي في نموذجه المطروح، ولو لاحظنا الموقف الذي خرج به الرئيس ماكرون، وتصعيده على إيران إعلامياً، وإن كان لا يُغيّر من التموضع الدولي شيئاً.
لكن ماكرون أراد أن يكسب الرياض أيضاً، ويحافظ على شخصيته لديها، وبالتالي جاء إعلانه في تبني موقف الرياض، من التنديد بالاجتياح الإيراني السياسي للمنطقة، لأجل هذا الغرض.
هنا نقطة فارقة مهمة للغاية، فزيارة الرئيس الفرنسي، تأتي في ظل تحريك الوساطة الكويتية والدعوة للقمة، وهناك صمت كويتي متعمد لم يعلن إنهاء الوساطة، حين صدرت أجواء تصعيد سابقة، خشية تفاقم الأمور، كما أن هناك دلائل غير رسمية، على أن الكويت تحاول أن تصحح موقف الرياض، باستخدام دورات تواصل متعددة، حتى تصل فيها إلى مدخل تعقد به القمة الخليجية، والتي ستكون غالباً إيذاناً بوقف التصعيد، وبدأ مرحلة فك الاشتباك.
وبالتالي فإن موقف الرئيس الفرنسي هنا، ذاتي ومساعد، فهو ذاتي حين يستدعي التنسيق القوي بينه وبين المؤسسات الأميركية، أي الخارجية والدفاع والمخابرات، ويتحول بعد زيارة الدوحة إلى مهمة في الرياض يعلن عنها في حينه، ويبني على علاقته السابقة في أزمة لبنان، مع ولي العهد السعودي.
خاصة بعد أن تكون قضية الرتز كارلتون، وتوقيف المعتقلين من الأمراء قد توجهت للحل وبدأ طي هذا الملف، ونقصد هنا تأثيره في الوضع الداخلي السعودي، بغض النظر عن اتفاقات التسوية، وما يترك للمتهمين من حصيلة مما استولوا عليه، بحسب تصريح المسؤول السعودي لرويترز.
غالباً سيكون الرئيس ماكرون ملماً ومتابعاً، لهذه التطورات، وقد يكون اعتبار الرياض، أن خروجها من الملف اللبناني الأخير خروجاً ناجحاً، هو مقدمة جيدة لماكرون ليبني عليه وساطته النوعية، وهي هنا معنى المهمة الذاتية.
أما المهمة المساعِدة، فإن بقاء وساطة الشيخ صباح كمهمة مركزية، قضية يؤمن بها كل المجتمع الدولي، فالأزمة معقدة ومرحلة فك الاشتباك فقط، لا المصالحة، تحتاج إلى متابعة وجهود، بات الشيخ صباح والفريق الكويتي الخاص بمتابعة الأزمة أكثر إلماماً بها، وهم رعاتها السابقون.
لكن منذ فترة والأزمة تحتاج إلى اختراق دولي، هذا الاختراق في الأزمة الخليجية، مرتبط بشخص الرئيس ترامب، وهو شخصياً الذي يعطي رسائل استمرارها، والذي يمكن للرئيس ماكرون انتزاع دعم نوعي منه، لاختراق هذا الجمود، وتحول الأزمة نحو الحلحلة المتدرجة.
أما الدوحة فهي تستقبل الرئيس الفرنسي، بموقفها المرن القديم، الذي لا يشترط أمراً سوى السيادة، والسيادة مفهوم دولي ثابت، وبالتالي لا يوجد لماكرون عوائق في الدوحة، بحسب كل التصريحات السابقة، لكن لا بد أن يعتمد على حديث خاص جديد مع الشيخ تميم، للعزم في بدأ هذه المهمة الصعبة.
في حين أعلنت قطر بدا مرحلة العمق الاستراتيجي الجديد، الذي تحدثنا عنه مبكراً، كسلة من العلاقات الخليجية، ثم الإقليمية والدولية، تبني بها مستقبل علاقاتها الخارجية، أي الابتعاد عن تأثيرات دول المحور حتى بعد فك الاشتباك في الأزمة، لكن هذا الموقف لا يعني رغبة الدوحة، ببقاء التوتر مع دول المحور، بل العلاقة الرسمية الفاترة كحد أدنى، وقد يكون مستوى الحد الأدنى مطلوب لذاته بعد تجربتها المرة.
وتعتمد قطر على نجاح اتحاد بنيتها الاجتماعية الوطنية، من عنصري المجتمع القطري التاريخي البادية والحاضرة، والذي مر بامتحان صعب، أثبت متانته وصلابة وحدته الذاتية والتفافه الوجداني القوي، مع مشروع وشخص الأمير الشاب، ولذلك حدد الأمير خطة انتخابات مجلس الشورى التي لا تحتمل التأجيل، لصناعة العهد الجديد، إضافة إلى تحويل تواجد المقيمين العرب وغيرهم، بعد روح التضامن التي أبدوها، إلى شركاء في الجسم الديمغرافي للدولة، تنظم بقانون مطور.
والذي يهمنا أيضاً في الخليج العربي كباحثين مستقلين، أن تعي كل الأطراف ضرورة وقف الخسائر فيما بينها، وأن التعامل الاضطراري أو الاختياري للخليج العربي مع الإقليم، يجب ألا يكون بديلاً عن علاقات الجسم العربي، والذي خسر كثيراً بسبب أزمة الخليج العربي، لكن التفاهم على ذلك، لا يعني فرض رؤى ولا تخوين الاصطفافات المصلحية.
وإنما التعامل بواقعية سياسية تضع المصالح المشتركة، ركيزة التعاون الجديد، بعد أن يُبنى الحد الأدنى من الثقة المنهارة، التي رقصت على أحزانها طهران وتل أبيب، والرفيق الأميركي الأحمق في بنك البيت الأبيض.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
04/12/2017
2853