+ A
A -
منذ أربعة أيام أكمل حصار قطر ستة أشهر.. نصف عام كامل والحصيلة ارتقاء أخلاقي ونماء على عدة مستويات في الدولة وكأن مقولة - رب ضارة نافعة - قد أثبتت صدق معناها رغم مرارتها في الوضع الحاصل بل ورغم ارتباطها المباشر حاليا بغدر من كانوا أشقاء، لا ننكر أنه ما كان يلزم الدولة أن تمر بهذه الأزمة ليثبت أبناؤها ومقيموها هذه الوقفة التي أبهرت العالم رغم طول المدة والتي عبّر عنها سيدي تميم المجد بالاعتزاز، لكن على ما يبدو من المحن تولد المنح.
فخلال ستة أشهر من فرض الحصار الرباعي عليها نجحت قطر باقتدار سياسي ودبلوماسي في إدارة الأزمة، وفرضت حضورها ومقاربتها بالمحافل الدولية، وهو ما أدى لإسقاط أجندة المحاصرين وإرباك حساباتهم، ولعله من الواجب أن أستشهد بما جاء على لسان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد في مقابلة سابقة (إن قطر بعد الخامس من يونيو ليست قطر قبل ذلك وأننا أصبحنا أقوى) وبمقابل ذلك قال عن الحصار إنه «شكل صدمة» في توقيته موضحا أن فرض الحصار على بلاده كان صادما للشعب القطري لأنه لم تكن هناك إشارات سابقة.
ونعود للحبيبه قطر، التي ضربت أروع الأمثلة من خلال تعاطيها مع أزمتها مع دول الحصار وما تتعرض له من حصار جائر فأصبحت محل احترام وتأييد على المستويين الإقليمي والدولي وأثبتت مدى ما تمتلكه من حنكة سياسية وحكمة وتروٍ في اتخاذ القرارات السليمة التي جعلت من دول الحصار أضحوكة القرن الحادي والعشرين جرّاء تزييفها للحقائق وما تبعها من افتراءات لشيطنة قطر دونما أي دلائل ولا براهين، وأعود أيضا لما ذكرته من أمثلة بدايةً «فرب ضارة نافعة» هذا المثل الذي استشهد به الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر في خطابٍ سابق له من هذه الأزمة ملخصا الوضع في الأزمة القطرية الخليجية الحالية إذ أنّ كلَّ تجربة إنسانية حلوة كانت أو مُرّة لا بد أن تترك آثارها الإيجابية عاجلًا أم آجلًا، وبالرغم من أن تجربة الحصار قاسية للجميع فقد قال سموه أيضا «لقد دفعت هذه الأزمة المجتمع القطري ليس فقط إلى استكشاف قيمه الإنسانية إنما أيضاً إلى استكشاف مكامن قوته ووحدته وإرادته وعزيمته.. فقطر دولة متطورة ولديها الإمكانات الكبيرة التي تؤهلها لذلك خاصة في ظل السير بخطى ثابتة في تأسيس وتطوير البنية التحتية ولعل ما ذهبت له بعض الجهات المعنية بل والأفراد ممن يملكون الروح القيادية والعقلية ألمتطورة من غرس ثقافة الإنتاجية لدى الشعب القطري وتحويل النظريات إلى عمل ومشاريع تخدم الدولة وتحقق حاجاتها الاستهلاكية ذاتيا».
إن هذه الكفاءات التقنية والإدارية والسياسية والإعلامية التي تعاملت مع الأوضاع برؤية وعقلانية وتصميم، قادرة على تشييد صرح استقلالنا الاقتصادي وحماية أمننا الوطني وتعزيز علاقاتنا الثنائية مع الدول في هذا العالم.. نحن مدعوون لفتح اقتصادنا للمبادرة والاستثمار بحيث ننتج غذاءنا ودواءنا، وننوع مصادر دخلنا، ونحقق استقلالنا الاقتصادي ضمن علاقات ثنائية من التعاون مع الدول الأخرى في محيطنا الجغرافي وفي العالم أجمع، وعلى أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، كما إننا مدعوون إلى تطوير مؤسساتنا التعليمية والبحثية والإعلامية ومصادر قوتنا الناعمة كافة على المستوى الدولي.. هذه الكلمات الخالدة لأمير البلاد المفدى احتوت على الركائز الأساسية للاقتصاد القطري خلال المرحلة القادمة، ونهج وخطة استراتيجية ينبغي التكاتف لتحقيقها.
وأوضح صاحب السمو أن هذه الأزمة «ساعدتنا في تشخيص النواقص والعثرات أمام تحديد شخصية قطر الوطنية، السياسية والاقتصادية، المستقلة، وفي اتخاذ القرار بالتغلب على هذه العقبات وتجاوزها». وقد اختبر الحصار قوة مؤسسات الدولة التي امتصت مفاجأة الحصار، وعمدت إلى معالجة آثاره بسرعة لم يتوقعها أحد، خصوصاً الدول المحاصرة التي اتخذت قرارها بغرض إحداث ارتباك بين الناس، متخذين قرارات تهدف لتجويع سكان قطر في شهر رمضان المبارك، إلا أن مخزون السلع الغذائية كان متحسباً لمثل هذا اليوم، وبالتالي استطاع ضخ كافة السلع حتى فاضت عن حاجة المواطنين، إضافة إلى فتح خطوط ملاحية جديدة لتغذية السوق القطري، ووفقاً لهذا التحرك السريع لم تحدث أي فجوة في التموين، ثم توجت قطر هذا التحرك بافتتاح ميناء حمد الذي يحتوي على مستودعات تتسع لمخزون سلعي يكفي سكان البلاد لأمد طويل.
لذلك وفي مقابل كل هذا، ليس علينا إلا تجديد النية والعمل أكثر على إعطاء هذه الأرض المزيد من الجدة والعمل كما تستحقه وأن يقدر الجميع قيمة العمل وروح التضامن للدفاع عن هذه البلاد بعد الظلم الذي وقع عليها بسبب هذا الحصار، وبالمقابل ضرورة إعادة نظر الحكومة من الاستفادة من الكفاءات والخبرات السابقة غير المستغلة في المجتمع، فالنجاح الحقيقي لن يتحقق إلا بتنمية رأس المال البشري وبناء القدرات الوطنية وهو ما تؤكد عليه التنمية البشرية في رؤية 2030 لبلد يبني البشر كما الحجر، وللعلا يا موطني.
بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
09/12/2017
3405