+ A
A -
انتشرت المظاهرات كالنار في الهشيم في كل عواصم العالم منددة بالقرار الأميركي بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس في اعتراف صريح بأن المدينة صارت عاصمة الكيان الصهيوني. صحيح أن المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات لم تغير من واقع الأمر على الأرض شيئا ولكنها في الحقيقة عرّت وكشفت الصفقة السرية التي أبرمها النظام الاستبدادي العربي من أجل بيع القدس وتقديم سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين وخاصة من سكان قطاع غزة.
إن القرار الأميركي بنقل السفارة إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني لم يكن ليرى النور دون موافقة مبدئية من النظام الرسمي العربي وخاصة من الدول المسيطرة فيه مثل مصر أو السعودية مثلا. فقرار الرئيس الأميركي جاء بعد مشاورات مطولة منذ توليه السلطة مع القادة والرؤساء العرب الذين وافقوا على الصفقة وباركوها وأعلنوا استعدادهم لدعمها وتمريرها. فالإدارة الأميركية بما هي دولة مؤسسات وإن كانت دولة استعمارية لا تتخذ المواقف المصيرية دون مشاورات موسعة ودون دراسة عميقة للتداعيات والاستتباعات.
بناء عليه فإن جملة الأحداث التي عرفتها المنطقة بدءا بثورات الربيع العربي مرورا بردة فعل الثورات المضادة وخاصة الانقلاب المصري وصولا إلى أزمة الخليج وحصار قطر وتسليم القدس للصهاينة إنما تمثل كلها حلقات مختلفة في سلسلة واحدة من الأحداث. إن تسليم أولى القبلتين ليس غير نتيجة طبيعية لتفاعلات المنطقة العربية بما فيها انهيار الوضع المصري والتغيرات الكبيرة التي تعرفها السعودية وخاصة انحدارها السريع نحو العلمانية المتوحشة ومحاربة التيارات المحافظة.
إن التحركات الداعمة للقدس فضحت المخطط الذي عرضته الولايات المتحدة على النظام الرسمي العربي من أجل تصفية نهائية لقضية العرب المركزية وهي قضية فلسطين. لكن من جهة أخرى تتحرك الجماهير في كل البلاد العربية مسلحة بوعي جديد هو الوعي الناتج عن مخاض الربيع العربي الكبير وما أفرزه من تداعيات عظيمة.
اليوم يدرك العرب أن الكيان الصهوني الغاصب مغطى بغشاء سميك تمثله الأنظمة القمعية العربية الحارسة له والعاملة على تنفيذ مخططاته وأجنداته في المنطقة وعلى رأسها تهويد القدس ومزيد اغتصاب الأرض. فالنظام الانقلابي المصري مثلا يشكل كما صرّح كبار قادة الكيان الصهيوني «كنزا استراتيجيا لإسرائيل» ولولا الجيش المصري واستبساله في التضييق القاتل على المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس لما استطاع الكيان الغاصب تحقيق ما حققه على الأرض. إن الربيع العربي وثوراته المباركة وكذلك وعي الجماهير العربية بأولويات المعركة هو الذي سيكسر كل المخططات التي تعتقد أن المنطقة يسهل ابتلاعها وأن شعوبها تمكن السيطرة عليها.
بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
14/12/2017
2838