+ A
A -
الأجواء المسيطرة على العالم لم نشهد مثلها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن المشكلة تكمن في أن تلك الحرب توقفت بعد أقل من خمس سنوات، بينما تتواصل الحروب الحالية منذ عقدين تقريباً، ولا تظهر لها نهايات !
لسنا من الباحثين عن ختام سحري لأمراض شيطانية تستوطن الكثير من العقول، الجاهل منها والغبي، لكننا نسعى وراء راحة بال من حقنا وحق خلق الله كلهم أن ينعموا بها.
غير أن ارتطام الأفكار غير السوية يولد شرراً تغزو مكوناته الحمقاء كل الاتجاهات، فتكثر الحرائق والانهيارات المرعبة التي تطال حتى جبال الجليد الفولاذي العاجز عن التماسك.
وإذا كانت وسائل الاعلام تلوك أحاديث مبهمة عن صفقة قرن مزعومة يقال إن سلمان وترامب أشعلا نيرانها في مايو، فإن غياب التفاصيل يزيد الأوضاع غموضاً. ومما يضاعف الغموض أن الدول المجللة بالفضائح وقلة الحيلة والعار، تتبنى مواقف متعددة في ذات الوقت، تتراوح بين البطولة والخيانة، وبين الخزي والمجد، والخير والشر، والحق والباطل.
لم يعد أحد تقريباً يعرف الفرق بين المخلص والخائن، وبين الوفي والمخادع، أو ما إذا كانت هناك صفقة قرن فعلية، أو ما إذا كانت مملكة العناوين مليئة بخليط مربك من الحقيقة والخيال.
ولا يعنينا إطلاقاً ما إذا كان بشار الأسد مكروها أكثر من نتانياهو بين العرب، ولا ما إذا كان بوتين أشد رجولة وقسوة من ترامب، ولكن يسعدنا أن يتجول رئيس وزراء إسرائيل عارياً في حلبة الفساد، بلا أخلاق أو قيم، حتى لو سرقت زوجته سارة الملايين في حقائب تملأ شاحنة طائرتها النفاثة، مع علمنا الأكيد بأن هذا التخفف من المبادئ موجود لدى كل من أقام بيتاً في أرض ليست ملكا له أو لأحد من أجداده الذين لم يمروا إطلاقاً من هذا المكان.
ورغم تداخل وتشابك الأمور، فإن كل شيء واضح، وكل بولندي أو روسي جاء إلى فلسطين يعلم أنه لص، وإنْ كان من حق كل هؤلاء اليهود أن يشعروا بكآبة أبدية كبشر منفيين، ذلك أن العيش في أرض لا يملكها المرء تسبب التذمر والنكد وتدفع كثيراً إلى انتحار نفسي، إنْ لم يكن جسدياً.
وإذا أراد نتانياهو أن ينصب نفسه ملكا على يهود أميركا وفلسطين معاً، فالتاجان عصيَّان عليه، والناس هناك رغم فسادهم الحاصل في كل الحالات، يعتقدون على نطاق واسع بأن «بيبي» مجلل بالخزي، ليس فقط لأنه خان زوجته مع مائة امرأة، ولكن لأنه لا يعرف أن عينيها، وهي الفاسدة مثله، تدمع أيضاً.
وسط هذا الغبار المأساوي، لا تثيرني مسيرات الغضب المليونية في عموم فلسطين، ولا الاحتجاجات التي تجتاح العالم بحق لص القدس ترامب أو شريكه «بيبي»، فكل شيء سيعود كما كان في يوم ما، ولكن ما يزعج هو هذا التذاكي الممزوج بالتباكي، وكلاهما مزور.
لكننا نعلم كما تعلمون، أنكم كذابون ودجالون ولا تهمكم القدس أو نيويورك أو حتى «آلما آتا»، ولا حتى مستقبل الكعبة أو المسجد الأقصى، فما يهمكم كم جنيتم من الفساد اليوم وكم ستجنون غداً، أيها المرابون.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
16/12/2017
2732