+ A
A -
قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي بأول زيارة له إلى سوريا، أرادها خاطفة إلى قاعدة حميميم العسكرية. ولم يكلف نفسه عناء الوصول إلى دمشق. اختصر سوريا بالقاعدة العسكرية التي يرابط فيها أسطوله الجوي، واستدعى إليها بشار الأسد، وترك أمر التعاطي معه لأحد الضباط المرافقين.
الرسالة واضحة. أراد القول «الأمر لي» بإعلانه بدء انسحاب جزء من القوات الروسية، والأهم تثبيت حميميم الجوية في اللاذقية والبحرية في طرطوس وهما قاعدتان عسكريتان روسيتان على ضفاف البحر المتوسط. وهذا هدف استراتيجي- موطئ قدم روسي في الشرق الأوسط بعد ثورات «الربيع العربي»- تحقق من خلال مجموعة عوامل أحسن «القيصر الروسي» استخدامها، أهمها التدخل العسكري والضياع الاميركي واستعمال الأسد ورقة للضغط والتفاوض.
ولكن أهداف الخطة الروسية لا تتطابق مع أطماع ونوايا إيران في سوريا التي وضعت كل ثقلها من اجل الدفاع عن النظام، وراهنت على بقاء الأسد في السلطة. غير ان الحل السياسي الذي تحاول موسكو تسويقه لا يمكن ألا يحظى برضا واشنطن، ولا يمكن بالتالي أن ينجح من دون رحيل الأسد. وهذا الأمر ليس فقط شرطاً لإنجاح مفاوضات جنيف، وإنما ايضا لـ«مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي الذي تسعى موسكو لعقده كبديل عن جنيف.
كما أن انضاج الحل يعني بالنسبة لواشنطن خروج طهران وميليشياتها من الميدان السوري. القبول بتموضع استراتيجي روسي ثمنه على الأقل بالنسبة لأميركا إخراج إيران من المعادلة السورية. ناهيك عن حاجة موسكو إلى مراعاة أصدقائها العرب الجدد (ومصالحها). لا يمكن لمصر والسعودية وحتى لتركيا أن تقبل بسوريا تحت سيطرة النفوذ الإيراني.
فهل ستسعى إيران إلى ايجاد جبهات عربية بديلة؟ أو إلى تحريك جبهة الجنوب اللبناني مع إسرائيل؟ قبل أسبوع قام قائد ميليشيا شيعية عراقية «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي بجولة ميدانية تفقدية على «الخط الأزرق» بين لبنان وإسرائيل. وهي منطقة تحت إشراف قوات من الأمم المتحدة وخاضعة لقرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع أي تحرك أو تواجد لتنظيمات أو عناصر مسلحة غير عناصر الجيش اللبناني. هل انه مجرد تهويل؟ الخزعلي دخل وجال بمعية مسؤولين من «حزب الله» لا يحق لهم هم أيضا التجول في المنطقة. كان حريصا على إعطاء الزيارة طابعها «الجهادي» عبر ظهوره باللباس العسكري. وأحيانا يظهر بلباسه الديني كونه رجلاً معمماً!
المؤكد أنه قام بدور «البوسطجي» حاملاً رسالة من «الحرس الثوري» الإيراني متعددة الأهداف. إن «فيلق القدس» قد أسقط الحدود بين الدول! وقائده قاسم سليماني في كل مكان، من الموصل إلى حلب إلى صنعاء والى البوكمال، و«حزب الله» في سوريا والعراق واليمن، وهذا الخزعلي في جنوب لبنان يتحدى إسرائيل.
لا حدود أمام تصدير «الثورة الإيرانية». المعركة واحدة من صنعاء إلى «بوابة فاطمة» في جنوب لبنان.
وكان أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله قد أعلن في أحد خطاباته ان المواجهة المقبلة مع إسرائيل سيشارك فيها كل فصائل المقاومة وكل «المجاهدين» العرب والمسلمين. ولم يخف بالمقابل ان «حزب الله» أرسل أسلحة إلى الفلسطينيين في غزة، من صواريخ مضادة للدروع إلى خبراء عسكريين. معركة واحدة، جهاد واحد وراية واحدة هي راية «ولاية الفقيه»!
إلا أن القيادة الإيرانية تدرك انه بعد إنهاء «داعش» واخواتها بوصفهم «إرهاباً سنياً» فإن التوجه هو لوضع حد ايضا لـ«الإرهاب الشيعي» اذ ان بقاءه بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا والعرب وحتى لروسيا (انظر الشيشان) يستدعي مجددا «إرهابا سنياً» قد يكون أشرس من سابقه.
إن تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 (صيف 2006) في جنوب لبنان يكلف العالم نحو مليار دولار سنويا، أي ما قيمته نحو 11 مليار دولار خلال احدى عشرة سنة. فإلى متى يمكن ان تتحمل دول العالم عدم تطبيق هذا القرار؟ وهل سيستمر السكوت عن عدم تطبيق لبنان القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية؟
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
19/12/2017
2431