+ A
A -
حينما يتناقل الناس أخبار صحفي قتل أو أصيب في تغطيته لحرب أو مواجهته مجرمين أو عصابات أو كشفه جرائم فساد أو غسيل أموال أو جرائم ترتكبها العصابات أو الحكومات أو السياسيون بحق الناس فمن المؤكد أن كثيرا ممن يتابعون الحدث يقولون: ماهذا الجنون ما ضره لو جلس في مكتبه ومارس عمله الصحفي من غرفة الأخبار أو يكتفي بالحصول على الأخبار من زملائه أو من وكالات الأنباء أو اكتفى بالمشاهدة ونقل الأخبار مثلما يعمل كثير من الصحفيين لقد دفع حياته ثمن جنونه وتغطيته للحرب أو ملاحقته للمجرمين سواء من عصابات أو سياسيين؟ ولأني أحد هؤلاء الصحفيين الذين يمكن أن يوصفوا بالجنون من خلال تغطيتي لثلاث حروب على فترات متباعدة من حياتي الصحفية بين عامي 1987 و2004 في كل من أفغانستان والبوسنة والهرسك والعراق، وقد دونت تجاربي عنها في 7 كتب، علاوة على تغطيات أخرى فإن لدي شغف كبير بمتابعة أخبار زملائي من هؤلاء الصحفيين الذين يواجهون المخاطر من أمثالي، حتى ينقلوا الحقيقة للناس، فإذا جلس الصحفيون في بيوتهم ما عرف الناس الحقيقة وما أدركوا الجرائم التي ترتكب بحق البشرية، ولما قاموا بتعريف مجرمي الحروب والسياسيين الفاسدين ورجال العصابات إلى العالم ولما ساهموا في تقديمهم للعدالة، وإذا لم يخاطروا من أجل تحري الحقيقة ونشرها وتقديمها للناس فإن الظلم والفساد والجرائم سوف تنتشر على نطاق واسع، ومع نهاية كل عام تصدر التقارير التي ترصد حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الصحفيين الذين يخاطرون بحياتهم وأنفسهم من أجل تقديم الحقيقة إلى الناس، وأمس الثلاثاء صدر التقرير السنوي للمعهد الدولي للصحافة «IBI «وكانت المفاجأة هذا العام أن المكسيك تصدرت أكثر الدول دموية بحق الصحفيين متقدمة على سوريا والعراق التي تصدرت قائمة الضحايا لسنوات طويلة وقد بلغ عدد الصحفيين الذين قتلوا في المكسيك هذا العام 13 صحفيا، كما أن المفاجأة الثانية هي أن عدد الضحايا من الصحفيين هذا العام سجل العدد الأقل خلال السنوات العشر الأخيرة إذا أنه لم يتجاوز 81 قتيلا من الصحفيين مقارنة بـ120 صحفيا في العام 2016 ولم يكن القتلى من الرجال فقط بل كان هناك 9 صحفيات قدمن أرواحهن فداء للحقيقة بينهن الصحفية المالطية البارزة دافني كاروانا غاليزيا التي قادت التحقيق في عمليات الفساد في «وثائق بنما» التي كشفت من خلال أكثر من 11 مليون وثيقة تورط أثرياء ومشاهير وشخصيات سياسية من أكثر من مائتي دولة ومنطقة حول العالم ضمت 12 رئيس دولة و143 سياسيا في عمليات غسيل أموال وفساد على نطاق واسع كان من بينهم رئيس وزراء مالطا وزوجته.
إن الصحفيين الذين يقومون بتغطية الحروب أو يعملون في مجال الصحافة الأستقصائية سواء في التليفزيون أو الصحافة المكتوبة أو الالكترونية يظلون هم الأكثر عرضة للمخاطر ذلك بأنهم يحالون من خلال تغطيتهم للمعارك أو كشفهم للجرائم تقديم الحقيقة للناس ويصلون إلى نتائج ربما تعجز أجهزة الشرطة في الوصول إليها، لن يتوقف الصحفيون عن البحث عن الحقيقة لأنها صلب عملهم ولن يتوقفوا عن تقديم حياتهم ثمنا لها حتى لو اتهمهم القاعدون بالجنون.
بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
20/12/2017
5193