+ A
A -
إنّ وسائل الإعلام الكلاسيكيّة والجديدة أصبحت تلعب أدوارا كبيرة ومؤثرة على الجماهير في كلّ مكان سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، فيما أصبحت هذه الوسائل تقوم بأدوار المؤسسات التعليميّة والتربويّة الجديدة وتقوم بدور التلقين والتوجيه والتوعية، واليوم يشار إلى دور الأسطول الإعلامي الواعي الرصين في زمن الحرب الباردة التي شنتها دول الحصار على قطر، راسمة أبجدياتها القذرة عبر طابورها الإعلامي بشكل لا أخلاقي بلا أيّ وعي ولا خلق بهدف حشد واستقطاب الرأي العام ورفع معنويات أركانها المتهرئة، لكن هيهات أن تحقق هذه الدول مآلاتها الصمّاء حيث واجهت تلك الآلات الإعلامية ردة فعل صارمة وثابتة من قبل الإعلام القطري الذي لم يسلك مسلكها في التطبيل والتزمير الشيطاني الأعمى، بل واجهت وسائلنا هذه الحرب الباردة التي تبادل فيها دول الحصار عنفهم المعنوي والمادي نحو قطر بكل مسؤولية واحترام، كما واجهت فيما واجهت أساليب الدعاية المغرضة التي تبنّتها دول الحصار والتي حاولت فيها زعزعة الصفّ الداخلي القطري، إنّ الإعلام القطري النزيه واجه كل ذلك وأكثر مما تستحيل نصاب الحروف أن تستوفيه في هذه المساحة- من أداء صحفي واستراتيجيات إعلامية وذباب إلكتروني- وسعى بكل جدّ لتطبيق حرفيّة المهنة الإعلامية متبنيا بنية تشريعية تكفل حرية التعبير المسؤول وتداول المعلومات والأخبار الصحيحة مع الالتزام بأخلاقيات الأزمات والتحدّيات.
إنّ الحروب الباردة على مدار التاريخ لم تكن تقوم بمعزل عن الإعلام والحرب النفسيّة والدعاية، ففنون الاتصال والإعلام كانت دائمة الصلة بالحروب والمعارك، وعادة ما يقوم الإعلام في الحرب بدور إقناع وتأييد الجماهير المستهدفة للخلاف أو القتال، كما يقوم في المقابل بإقناع الخصوم ودفعهم لترك الخلاف أو القتال والسعي للهدنة والاستسلام، إذن فجوهر الإعلام في زمن الحرب الباردة؛ عملية حربية جادّة، والإعلام بشكل عام يعتبر من أقوى الجبهات المقاتلة على مرّ التاريخ، وفي الحقيقة ليت هذه الحرب على برودتها وطول نفسها لم تكن قائمة، ليت دول الحصار ركّزت على ذاتها أكثر ومنعت نفسها وشيطانها الداخلي من التدخل في شؤون العالمين، وقللت نشاطها العسكري المعنوي في الخارج وانشغلت في رفاهها ونمائها عن السياسة العالمية وصنع العداوات غير المبررة، لكنها «ليت» تلك التي تستخدم عند اللغويين لتمني المستحيلات! إنّ دول الحصار لا ينبغي لها أن تعتزّ بما تقوم به من حصار جائر غير قانوني واستخدام مشين لآلتها الإعلامية غير الأخلاقية، وكان النتاج في النهاية أن تتضرر اللحمة الخليجية بادعاءات لا أسس لها، وكان من الأجدر بها أن يسعى الإعلاميون العقلاء في هذه الدول ممن تسلموا أمانة الكلمة وبها والتأثير الإيجابي على جمهورها أن يحيدوا عن تعطيل العقول هذا، ساعين إلى خلق مناخ من التهدئة، فالتهدئة الإعلامية مطلوبة قبل الحديث عن أيّ تهدئة سياسية، فالنار المعنوية المشتعلة في كل الضمائر لن تخمد إلا إذا خمدت الفتنة العظمى التي أشعلها وأغنى ويغني إلى اليوم جذوتها شياطين دول الحصار.
عزيزي القارئ، لقد دعا مركز لندن للشؤون العامة إلى إلغاء عضوية جمعية الصحفيين الإماراتية في الاتحاد الدولي للصحفيين وطردها منه بسبب مشاركتها في دعم الدعاية السياسية التحريضية لإمارة أبوظبي والتواصل مع أجهزة الأمن الإماراتية في محاولة إيجاد حضور لمؤتمر استهدف دولة قطر عقد في لندن «مؤتمر المعارضة القطرية»، ووفق بيان لمركز لندن للشؤون العامة على موقعه على الإنترنت، فقد أصدر مجلس الإعلام الوطني الإماراتي تعليمات إلى جمعية الصحفيين الإماراتية، والمنظمات المحلية الأخرى، لدعم مؤتمر للتحريض ضد قطر، وقال المركز في بيانه: إنّ جمعية الصحفيين الإماراتية تتواصل مع جهاز الأمن في دولة الإمارات العربية المتحدة للحشد من أجل المؤتمر الذي خصص لتشويه صورة قطر»، إذ وزّعت جمعية الصحفيين الإماراتية معلومات مضللة لوسائل الإعلام العربية حول هذا المؤتمر في محاولة لعقده، وكان المركز قد حصل على وثيقة تثبت أنّ جمعية الصحفيين الإماراتية شاركت في تنظيم مؤتمر لندن، كما قامت المنظمة بدفع أفراد وهيئات للمشاركة في هذا المؤتمر، وقدّم مركز لندن للشؤون العامة شكوى إلى الاتحاد الدولي للصحفيين ضد الجمعية، وطلب منه إلغاء عضويتها، مؤكدا في الشكوى أنّ أعمال هذه المنظمة تنتهك المعايير الأساسية للصحافة، مثل الدقة والتوازن والموضوعية والمهنية.
إنّ إعلام دول الحصار يمثّل السقوط الأخلاقي بكل امتياز، واليوم ندرك أنّ ميثاق الشرف الإعلامي المهني يحتاج إلى الرقابة الحكومية والعكس صحيح كذلك، فالناظر لطريقة التزمير والتطبيل وسيمفونية اللاتطبيع التي تنتهجها الحكومات وأبواقها الإعلامية الخاضعة يستخلص ذلك بكل سهولة ويسر. عزيزي القارئ، لقد سقط إعلام كل من: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية؛ سقط هذا الإعلام سقوطا مدويا في وحل الأكاذيب بتجاوزه كل سقوف الأخلاق والأعراف والقيم الإسلامية والعربية والتقاليد الخليجية، بأسلوب الإسفاف والابتذال وتوجيه الاساءات، بينما ردّ الإعلام القطري بالترفّع عن الاساءات ودحض الافتراءات بالحقائق، إنّه حري بنا اليوم أن ندرّس هذه السقطة الإعلامية كنموذج يشار إليه بكيفية اتلاف الحكومات لصورتها النمطية وعدم احترامها لجمهورها المباشر. قال الله تعالى في سورة (ق): «ولقدْ خلقْنا الْإنسان ونعْلم ما توسْوس به نفْسه ونحْن أقْرب إليْه منْ حبْل الْوريد (16) إذْ يتلقّى الْمتلقّيان عن الْيمين وعن الشّمال قعيد (17) مّا يلْفظ من قوْل إلّا لديْه رقيب عتيد (18)». إنّه وكما أشرت آنفا جاء الردّ من قبل الإعلام القطري بجميع وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية؛ مرتكزا على الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتقديم الأخلاق على الخلاف، الالتزام بالعادات القطرية الأصيلة، الترفّع وعدم الردّ على الإساءات، والبعد عن الشتائم والمهاترات والخوض في الأعراض، التحلّي بالمسؤولية وتقديم الحقائق، إنّ الإعلام القطري لم يكن يوما مرتزقا أو مرتشيا أو كاذبا أو مفبركا أو بذيئا.
وختاما، يمكن القول بحقّ: إنّ الدعاية والحرب الإعلامية صارت أهم الاستعدادات الحربية، حيث تعدّ اليوم جزءا رئيسا من المجهود الحربي، فهي كما يقول (تايلور) قذائف من الكلمات التي تختار بعناية، وتصاغ بحساب دقيق، مستهدفة تشكيك شعب دولة العدو وجنوده في قضيتهم وهدم ثقتهم بقيادتهم، وحكومتهم وفي قدرتهم على تحقيق النصر، لكن هيهات أن يتحول هذا السعي الشيطاني إلى قصف العقول والوجدان إلى حقيقة كائنة، فالعقول والألباب هنا مستنيرة بفضل الله تعالى، فالوجدان والعقل هنا متحدّان ونفوسنا أقسمت على أن لا تباع الذمم ولا تؤجّر العقول وألا تغيب الوطنية الحقّة تجاه الأمير والوطن.
بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
22/12/2017
5091