+ A
A -
بعد حرب 1973 وجد المعنيون بالصراع العربي الإسرائيلي أنفسهم أمام ثلاثة خيارات: إما السلام الدائم، أو التسوية السياسية، أو الاستمرار في الكفاح المسلح. ومع أن المشهد آنذاك وجد حضورا لأنصار السلام الدائم، وأيضا لأنصار الكفاح المسلح، إلا أن الغلبة في المواقف كانت مع إيجاد تسوية سياسية. ومع تعثر مسار التسوية اتجه الاهتمام إلى السلام الدائم. إلا أن موقف ترامب الصادم من القدس أربك مسار حل الصراع، مما جعل كل الخيارات الثلاثة مطروحة في نفس التوقيت حتى وإن تباينت في الفرص.
لقد عادت مختلف الأطراف المعنية غير إسرائيل والولايات المتحدة لتؤكد على أن خيار السلام الدائم هو المسار الأفضل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.. ومعنى الدائم أنه سلام يحترم موقف ومصالح كل الأطراف: العرب والفلسطينيين من جهة والإسرائيليين من جهة أخرى. وقرار ترامب منحاز للطرف الإسرائيلي ويهمل حق الطرف الآخر أي الفلسطيني، ووضع كهذا لا يحقق السلام الدائم بالطبع لأنه لن يلقى موافقة هذا الطرف.
مسار التسوية السياسية لا يزال قائما أيضا، بوصفه الموروث الأكبر من كل الجهود الدبلوماسية المبذولة منذ صدور قرار مجلس الأمن الشهير 242 في 22 نوفمبر 1967. ذلك القرار أسس لمسار المفاوضات السياسية على مدى نصف قرن تقريبا. وجاء القرار 338 لمجلس الأمن الصادر في 22 أكتوبر 1973 للتأكيد عليه حل الصراع بتسوية سياسية.
ومن الصحيح أن القرارين أشارا إلى السلام الدائم، ولكنهما وجها النظر أساسا إلى تحقيق تسوية سياسية أولا قبل الحل السياسي الشامل الذي يحقق السلام الدائم، وهذا ما كان الشكل العام لكل الجهود السياسية منذ ذلك الوقت. وفى أواخر عام 2000 سعى الرئيس الأميركي كلينتون إلى التأسيس لحل نهائي أي تحقيق السلام الدائم ولكن هو بدوره أراد تمرير ذلك من خلال الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وكأنه أراد تحقيق سلام دائم عبر تسوية ثنائية!.
ومع أن مبادرة السلام العربية عام 2002 فتحت الباب أمام الحل النهائي أو السلام الدائم (السلام الشامل مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة)، إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق، وأصبح مشهد الحل منحصرا في المفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
وأما الكفاح المسلح فإنه لم يخرج من دائرة حل الصراع برغم هيمنة الحلول السياسية على الموقف، وحتى ياسر عرفات نفسه كثيرا ما كان يدعو العالم بألا يجعل غصن الزيتون الذي يحمله في يده يسقط، في إشارة منه أن الفلسطينيين لا يزالون يحملون السلاح في اليد الأخرى. وجاءت انتفاضة 1988 ثم 2000 بقيادة حماس لتؤكد أن خيار المقاومة المسلح لا يزال حيا، وبعد قرار ترامب انتفض الفلسطينيون مجددا مستخدمين الحجارة للتأكيد على رفض الاستسلام.
المشكلة اليوم هي أن الأطراف العربية لم تتفق على موقف واحد فيما يتعلق باختيار أي من المسارات الثلاثة: السلام الدائم أم التسوية أو الكفاح المسلح، بل تركت الساحة لكل هذه المسارات معا وفى وقت واحد. اهتمامها انصب على الحل النهائي أي تحقيق السلام الدائم، وهذا موقف جيد بكل تأكيد خصوصا أنه مدعوم من الاتحاد الأوروبي وقد يؤدى إلى مسار دولي مختلف بعيدا عن الدور الأميركي. ولكن الاتحاد الأوروبي لن يصل بموقفه إلى حد الصدام مع الولايات المتحدة، والأطراف العربية لم تكشف عن خطواتها المستقبلية لتغيير الموقف الأميركي من داخله.
ومن ناحية أخرى فإن السلطة الفلسطينية لم تعلن إلغاء أوسلو لأنها لا تقوى على تحمل تبعات الإلغاء ولم تفعل التهديدات السابقة بأنها ستحل نفسها لتحمل إسرائيل كل تبعات استمرار احتلالها للأرض، هذا بينما تتواصل صور الاحتجاجات الفلسطينية دون أن يحدث ذلك أثرا في الموقف الدولي تجاه الإدارة الأميركية.
ما حدث في مواجهة المشهد العصيب هو أن الأطراف العربية المعنية مباشرة بالصراع خطت خطوة واحدة في كل مسار هي في حد ذاتها ليست كافية ولا على مستوى ضخامة الخطر، بينما كان المنتظر هو أن تحدد صراحة أي مسار تريد وأن توجد الآليات
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
23/12/2017
2489