+ A
A -

هم أقل من دولة، سلاحهم شبه منعدم، ومالهم لا يغطي ربع متطلباتهم، ومع ذلك صمدوا في مواجهة أكبر دولة في العالم. وسقط ترامب بالمعنى الفعلي للكلمة وانهار مبعوثاه غرينبلات وكوشنر، وبدأ الليكود يبحث عن «قوات لحد» تأخذ مكان محمود عباس الذي وقف هذه المرة ويا للعجب في وجه الاحتلال كما لم يقف من قبل.
ترافق أول هجوم لعباس على الصهيونية في حياته مع انسداد المنافذ في وجه نتانياهو، ومع تحول ترامب إلى قاتل حقيقي للحرية المزعومة في بلاده العظمى التي جعلها الفلسطينيون أصغر من صغرى، ليس بصواريخهم، ولكن بحقهم المتوارث عبر الأجيال.
كان الخميس «21» ديسمبر أجمل أيام عمري، وعمر كل فلسطيني وأردني، وكل عربي يقيم جوارهما وحولهما، وأيضاً لدى محبي الحرية وأنصار حقوق الإنسان والأخلاق والقيم والمبادئ.
سيقول التاريخ الكثير عن أهمية ذلك اليوم في الحفاظ على حرية الشعوب وحقها في تقرير المصير والسيادة والاستقلال ومقاومة الاحتلال بكل الوسائل، وذلك على خلفية انهيار خطة ترامب وبطلان محاولة تحويل القدس إلى عاصمة لإسرائيل.
وكان «21» ديسمبر أيضاً أسوأ يوم في حياة بنيامين نتانياهو الذي أمضى عشر سنوات في إقناع الإسرائيليين بكراهية الفلسطينيين، فإذا بها تبدأ بالانقلاب إلى عكس ما تمناه هو وحليفه الأغبى منه دونالد ترامب الذي شاهد غير مصدق كيف أن القيادة الفلسطينية أجمعت على مقاطعة نائبه «بينس» وموفدية غرينبلات وكوشنر، ورفضها استقبالهم لبحث عملية السلام.
صدم غرينبلات وتحول بين ليلة وضحاها إلى باحث عن الحقيقة، وإلى مطالب بوقف الاستيطان. وتحولت الصدمة إلى غضب حين علم الموفدان تفاصيل الحقائق التي سعى نتانياهو إلى تغييبها. ووصل رد الفعل مداه حين دعا غرينبلات إلى تقليص الاستيطان فوراً خاصة بعد أن رفض الفلسطينيون أي مسعى للتفاوض مع الأميركيين،ما دعا رئيس حكومة إسرائيل المندهشة، إلى القول بهستيريا واضحة وهو يرى تعب سنواته يتدحرج أمام رجليه، ان «القيادة الفلسطينية تعيش في سكرة العنف الجماهيري وسياسة الرفض التي سكر بها عرفات من قبل، مما أدى لتدمير العملية السلمية».
حسناً فعل عرفات إذ أدت مواقفة إلى تدمير السلام المزعوم، لكن السيد جيسون غرينبلات حمل إلى حكومة نتانياهو رسالة من البيت الأبيض ملخصها أن واشنطن لا ترغب في أن ترى طفرة بناء أخرى في القدس الشرقية من النوع الذي يُصعِّد الموقف ويجعل من الصعب العودة إلى طاولة التفاوض. سمعت واشنطن بأن وزارة الاسكان تستعد لمشروع استيطاني مكثف فصرخت: أوقفوه !
وجد غرينبلات نفسه يرتب لقاء مع منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، صديقه الجنرال موردخاي، وتباحثا في المشاريع الاقتصادية التي يجري البحث في اقامتها لرشوة الفلسطينيين، وحاول موفد ترامب أن يتعرف على عمق الهبة الفلسطينية واحتمال تطورها إلى انتفاضة كبرى.
حدث كل ذلك في الساعات الأخيرة التي أعقبت انهيار خطة ترامب بشأن القدس، والأهم الفشل الفضائحي الذي قوبلت به محاولتان في أسبوع واحد لانتزاع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار ترامب تحويل القدس (بشرقها وغربها) إلى عاصمة لإسرائيل.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
23/12/2017
3531