+ A
A -
بعد أيام من إلقاء القنبلتين اللتين دمرتا هيروشيما وناكازاكي، كذَّبت النيويورك تايمز الإشاعات التي كانت ترعبُ العالم بخصوص قدرة هذا النوع من القنابل على إهلاك الحرث والنسل! وكتب «وليام لورنس» محرر المواضيع العلمية في الصحيفة مقالًا في الصفحة الأولى يتصدى للروايات المثيرة للذعر، ويؤكد أنه لا وجود لأي إشعاعات مضرة في هاتين المدينتين، وأن النشاط الإشعاعي لا يعدو كونه واحدة من أكاذيب الدعاية اليابانية! هذا المقال المحشو بالأكاذيب كان السبب الرئيس في حصوله على جائزة بوليتزر، ثم تبيّن بعد سنوات أنّ «لورنس» كان يتقاضى راتبين في الشهر، أحدهما من النيويورك تايمز، أما الآخر فكان من البنتاغون!
هذه حادثة واحدة أسوقها إليكم ولكنها بالتأكيد ليست حادثة يتيمة! إن كثيرًا من التحليلات والدراسات والآراء التي تقرؤونها في الصحف ليست أفكار أصحابها، ولكنها أفكار الجهة التي يعملون لديها! وإن كثيرًا من الكُتّاب هم في الحقيقة مرتزقة، يكتبون لمن يدفع لهم، تمامًا كما كان مجموعة من المحاربين في العصور الغابرة يقاتلون تحت الراية التي تدفع لهم، لهذا لم يكن مستهجنًا أبدًا أن يحاربوا في الغد الراية التي ينافحون عنها اليوم! مرتزقة السيف قديمًا لم يكن لديهم ولاء لفكرة، ولاؤهم الحقيقي كان لجيوبهم، وكذلك مرتزقة الأقلام اليوم، ولكن كل في مجاله!
محرر الصفحة العلمية في النيويورك تايمز أثبتَ على الورق أن القنابل الذرية صديقة للبيئة! ولو أراد البنتاغون منه أكثر، كأن يكتب عن فوائد القنابل على التربة والمزروعات لفعل، ولبدا أن إلقاء القنابل التي لم تبقِ ولم تذر هي خدمة لليابانيين الذين تبخروا بعد ثوانٍ من ضربهم بالقنبلتين!
والناس شرقهم وغربهم في هذا سواء! ما يوجد هناك يوجد هنا، وربما بصورة أوقح وأكثر فجاجة!
بعد كل موقف سياسي تتخذه حكومة ما، تجد المقالات تنهمر انهمار الغيث تحدثك عن الحكم الخفية في قرارات الذات العليّة! نفس الأقلام هي التي كانت من قبل تحذرك من مغبة هذا الموقف، لأن الحكومة كانت ضده!
خذ عندك مثلًا قيادة المرأة للسيارة بين ليلة وضحاها تحولت المعلمة التي تريد أن تقود سيارتها إلى مدرستها من امرأة تريد الإساءة للعادات والتقاليد إلى امرأة مجاهدة في سبيل الله تكد على نفسها وعيالها! في قضية رفع الضرائب تجد أحدهم يزبد ويرعد ينافح عن خبز الفقراء، وأقساط المدارس، وعلب الدواء، فالحكومة لم تقرر رفع الضرائب بعد، ولا بأس! بقليل من دروس العدالة الاجتماعية وإنصاف الطبقة المسحوقة، ثم في المساء تقرر الحكومة رفع الضرائب، وفي الصباح يكون المقال جاهزًا، تفوح منه رائحة الحنكة الاقتصادية، وأنه لا بأس بالتضحية بالبعض ليسلم الوطن، حتى الأطباء يضحون بالجنين لتسلم الأم! الأمر يشبه مواضيع التعبير التي كنا نكتبها في المدارس «اكتب ما يلي»! ولا تملك إلا أن تكتب مع فارق بسيط أننا كنا نكتب أشياء نبيلة وصادقة!
المهم من هذا كله: إن كنت ستصدق كل ما تقرأ، فلا تقرأ!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/12/2017
2848