+ A
A -
في الجمعة السابق، ودع الشقيقان «الحسين» و«جدوان» أسرتيهما الصغيرتين، وتوجها نحو هضبة مجاورة للمدينة المغربية، حيث كان ينتظرهما القدر داخل بئر عميقة، لاستخراج الفحم الحجري. إذ انتشلا بعد جهد جهيد جثتيثن هامدتين، بعد أن داهمهما تحت الأعماق تدفق كبير للمياه الجوفية، جعلهما يهلكان داخل الأوحال.
مقتل الشابين تحت الأرض، خلق مناخا من الاحتجاج الاجتماعي، مما جعل المقارنة مع حراك الحسيمة تطفو إلى السطح، حيث يتعلق الأمر بمدن من جغرافية الهامش، وبشباب يلقى حتفه، بطريقة دراماتيكية، بحثا عن مورد رزق صعب، وبمطالب قديمة على سجلات العدالة والشغل والكرامة.
في خلفية الحدث، ثمة مدينة صغيرة شرق المغرب تسمى «جرادة»، ارتبط تاريخها واقتصادها ومصيرها بمركز منجمي كبير للفحم. عام 2000 سيغلق المنجم وستتحول إلى بقايا مدينة، تحصي رجالها المرضى باختناق الرئة، وتترجى بديلا اقتصاديا يعيد إليها قليلا من الحياة، وفي انتظار ذلك يغامر شبابها ضمانا لقوت يومهم بحفر آبار عشوائية غير آمنة، ولأنه كثيرا ما يصادفهم داخل أعماقها هجوم مباغت للمياه أو انهيارات صخرية مروعة أو عوز قاتل في الأوكسجين، فقد أصبحت تسمى في التداول الجمعي، بكل اختصار مخيف «آبار الموت».
يحمل المنقب في عدة رحلته نحو الأعماق، شمعة لقياس صلاحية هواء الجب للتنفس، وقطع خشب صلبة لتدعيم الحفر، ورغبة صغيرة في العودة حيا إلى الأبناء.
المخاطرة بانتزاع رغيف يومي ملطخ بسواد الفحم والأوحال، من عمق الأرض، أصبحت تمرينا يوميا يقبل عليه كهول وشيوخ وشباب، غير متعلمين وأصحاب شهادات عليا. وككل المآسي تحولت هذه المهنة المرتجلة على ضفاف الموت، لدى قلة من الوسطاء إلى تجارة مربحة، تمكنهم من تحصيل مداخيل كبرى بعد بيع الفحم المستخرج بطريقة سرية وعشوائية للمحطة القريبة لتوليد الكهرباء.
في الحكاية، شيء من البؤس «الأسطوري» لعمال المناجم في الواقع وفي كلاسيكيات الرواية العالمية، وشذرات متقاطعة من القصص المشابهة لمدن فقدت علة وجودها الاقتصادي، فأصبحت قبلة للأشباح، والكثير من الألم الناجم عن اختلاط رغيف الأبناء برائحة موت متربص بالمكان.
بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
29/12/2017
2616