+ A
A -
كان بإمكان الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تطرح بديلا لمسار عملية السلام في الشرق الأوسط سواء فيما يتعلق بوضع أسس جديدة أو بإقصاء الدور الأميركي بعد أن ظهر انحيازه جليا إلى جانب إسرائيل في مسألة القدس. ولكنها اكتفت برفض قرار ترامب، وتركت الباب مفتوحا للمفاوضات المباشرة بنفس الأسس وللوساطة الأميركية!.
ولا شك أن القرار الدولي جاء بمثابة موقف سياسي عالمي انتصر للعرب والمسلمين وشكل هزيمة سياسية سواء للولايات المتحدة أو إسرائيل اللذان استقبلاه بانفعال شديد وصل إلى حد السخرية. إلا أن ما يتعين التوقف عنده هو جدواه العملية بالنسبة لعملية السلام. فمن المعروف جيدا أن قرارات الجمعية العامة هي توصيات بالدرجة الأولى ولا تتحول إلى قرارات إلا إذا وافق عليها مجلس الأمن إذا ما تمت إحالتها إليه، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة إدراكا من الأعضاء بأن النتيجة معروفة سلفا هي استخدام الفيتو الأميركي.
ومع ذلك كان من المفترض، استغلالا لخطورة القرار الأميركي وحماسة الغالبية الكبيرة من دول العالم بما فيها الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وكلاهما من أعضاء مجلس الأمن الدائمين، أن يتسع مضمون مشروع القرار الذي ناقشته الجمعية العامة ليتضمن بندا أو أكثر يتعلق بمسيرة السلام المتجمدة في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق كان من المفترض أن تطالب الجمعية العامة مجلس الأمن بمناقشة هذه المسيرة مجددا واتخاذ قرار جديد يحسم الجدل حول حل الدولتين معترفا بقيام الدولة الفلسطينية وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية، مع تغيير آلية التفاوض لتأخذ صورة المؤتمر الدولي لا المفوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية وأن تشارك الولايات المتحدة في هذا المؤتمر كغيرها من الأطراف المعنية.
هنا فرضت الواقعية السياسية متطلباتها مع التسليم بعدم إنصافها للحقوق العربية والفلسطينية. فمن الصحيح أن التصويت الضخم لصالح القدس عكس تعاطفا صادقا من المجتمع الدولي مع أصحاب القضية، ولكن ما لا يجب إغفاله هو أنه جاء اعتراضا على انتهاك الولايات المتحدة للقرارات الدولية ممثلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ومن جهة أخرى لا يجب التقليل من المغزى السلبي لوجود 65 دولة يمكن إدراج مواقفها في خانة رفض قرار الجمعية العامة (الرفض الصريح والامتناع عن التصويت والغياب عن الجلسة)، وهو رقم ليس بالصغير بالنسبة لعدد أعضاء الأمم المتحدة البالغ 193 دولة.
وربما من صاغ القرار استشعر أن توسيع مجاله ليشمل إعادة النظر في مسيرة السلام برمتها سيؤدى إلى زيادة عدد الرافضين والممتنعين والغائبين مما لا يوفر له أغلبية الثلثين. وهذا اعتبار صحيح إلى حد كبير، وإن أشار إلى شيء فإنما يشير إلى أن المجتمع الدولي بظروفه الراهنة حيث الانقسام والتوتر في علاقات الدول الكبرى وتعقد الأزمات الإقليمية لا يميل إلى توسيع مجال المواجهة والصدام خصوصا في مواجهة الولايات المتحدة. وعليه تركز جهد الجمعية العامة في الدفاع عن مبدأ احترام القرارات الدولية ممثلا هنا في وضع القدس، فكان لها ما أرادت بسهولة. ورأت في حصر اجتماعها في هذه المهمة فقط رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأن المجتمع الدولي لا يزال يمنح لهما الفرصة للتحرك في مسيرة السلام بالشرق الأوسط طالما يتم ذلك ضمن احترام القرارات الدولية، وإن حدث تقدم في هذا الإطار فإن المجتمع الدولي جاهز لتأييده بنفس القوة التي رفض بها قرار تغيير وضعية المدينة قبل الاتفاق النهائي. ما يؤكد التماهي العربي مع هذا التوجه الذي حكم مناقشة الجمعية العامة للقضية هو أن لا الجانب العربي ولا الفلسطيني قطع بفك الارتباط بجهود السلام بأي شكل من الأشكال، ولا القيام بتحرك صدامي مع الإدارة الأميركية برغم كل ما جرى، كما أن الموقف الفرنسي (تعبيرا عن الموقف الأوروبي) يدفع في نفس الاتجاه، الإبقاء على الباب مفتوحا لجهود السلام، وعلى الدور الأميركي أيضا!.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
30/12/2017
2284