+ A
A -
منذ استقلال الدول العربية وتشكل كياناتها السياسية بصورتها الحالية ظل حلم التعاون العربي يلح على الأذهان وأملاً يداعب خيال الشعوب تكذبه الوقائع على الأرض والصراعات المعلنة أو المكتومة بين الأطراف المختلفة.. فالتوجهات الرسمية لدى كثير من الأنظمة العربية لا تنحو إلى حل مشكلاتها البينية بقدر سعيها إلى تأبيد هذه المشاكل وأحيانا تخليقها من العدم ليستمر التوتر قائماً والصراع متواصلاً.
ولم تكن سنة 2017 خارج هذا السياق العام للوضع العربي المأزوم، فقد شهدت إعلان الحصار على قطر دون مبرر يذكر وهو ما أدى إلى إضعاف تجربة مجلس التعاون الخليجي الذي كان البعض يعتبره محاولة جدية لبناء تضامن عربي فعلي في ظل عالم مبني على التحالفات الكبرى. وتواصل قصف اليمن دون سعي جدي نحو إيجاد حل سياسي هناك، خاصة وأن الدول التي تقصف اليمن اليوم كانت أحد أسباب كارثته السياسية عندما سارعت إلى إفشال الثورة اليمنية وخلقت حالة من الفوضى السياسية التي أسفرت عن هيمنة فصيل طائفي مدعوم من إيران.
وفي الأزمة السورية فشلت الدول العربية في إيجاد حل فعلي لما يجري هناك لتنتقل مقاليد الأمور إلى يد قوى كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى قوى إقليمية فاعلة هي تركيا وإيران.. وظهرت حالات مستجدة من التوتر بداية من المناكفات المصرية- السودانية على خلفية التنازع على مثلث حلايب الحدودي فالنظام المصري الذي فرّط في جزيرتين في البحر الأحمر وتنازل عن سيادته الكاملة في سيناء لمصلحة الكيان الصهيوني وفشل في حل مشكلة سد النهضة الإثيوبي شرب حليب السباع في أزمته مع السودان رغم أن هذا الأخير يشكل عمقا استراتيجيا لمصر وحليفا أكيدا في قضايا المياه. وربما كان التوتر الأخير بين الإمارات وتونس هو آخر الأزمات العربية في هذا العام عندما عمد النظام الإماراتي ودون تبرير واضح إلى منع كل النساء التونسيات من السفر على طائراته أو زيارة أراضيه أو حتى المرور بها في حالة غير طبيعية أو مفهومة. ويمكن القول إن دولاً عربية بعينها أصبحت مصدراً لخلق الأزمات وتصعيد المشاكل بشكل غير مسبوق وعلى رأس هذه الدول نجد الإمارات ثم المملكة السعودية في ظل ولي عهدها الجديد. فهذان النظامان يتصرفان برغبة واضحة في الهيمنة والسيطرة رغم أن كلا منهما يعاني أزماته الداخلية وعجز عن حل مشاكله المزمنة مع جيرانه.
وفي ظل هذه المشكلات المتراكمة في المشهد العربي وبعضها قديم مستمر والبعض الآخر جديد مستحدث تجد القوى الدولية والإقليمية الفرصة لمزيد من الهيمنة على الجغرافيا العربية والتدخل في شؤون المنطقة بشكل سافر فج، فالمنطقة العربية تحولت بالفعل إلى موطن الأزمات ومصدرها ولا يتعلق الأمر هنا بنظرية المؤامرة رغم وجود سعي دولي لتفكيك المنطقة والتلاعب بها من جديد وإنما بسبب توجهات بعض الأنظمة العربية التي تخلت عن أدوارها التنموية وواجباتها التضامنية مع أشقائها لتصبح هي ذاتها سبباً لمزيد التشرذم العربي وإلا كيف يمكن أن نفسر محاصرة دول عربية لدولة شقيقة كانت إلى وقت قريب سندا في السراء والضراء؟ وكيف نفهم محاولات دولة الإمارات السيطرة على جزر وموانئ يمنية خارج وجود الدولة وهو ما يفسر رغبتها في تمديد الأزمة هناك لتأبيد سيطرتها على تلك المواقع؟ ولماذا يتواصل حصار النظام المصري لقطاع غزة رغم أنه يعاني من أزمات كبرى في الغذاء والدواء والطاقة وهو المنفذ الوحيد له؟
أزمات عربية كثيرة في 2017 أدت إلى وضع مزيد من العوائق في طريق التعاون العربي بل وخلق عداوات بين الشعوب من خلال التحريض وبث الأكاذيب وصناعة الدعايات. وكل ما يمكن أن ترجوه الشعوب العربية أن تكون سنة 2018 أفضل من سابقتها وأن تشهد حلاً لكثير من الأزمات العربية.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
02/01/2018
2621