+ A
A -
يمكن القول إن المؤتمر العاشر لحركة «النهضة» التونسية يشكل لحظة فارقة في تاريخها وستمتد آثاره إلى المستوى الوطني وصولا إلى المحيط الإقليمي وخاصة ما سيخلفه من ارتدادات على الحركات الإسلامية الشبيهة في المحيط العربي الإسلامي.
فمنذ لحظة الإعلان الرسمي عن التأسيس (6 يونيو 1981) ومرورا بالمواجهات المتكررة مع نظامي بورقيبة وبن علي من بعده ووصولا إلى لحظة ما بعد الثورة التونسية سنة 2011 والمشاركة في الحكم في الفترة الانتقالية والمرحلة الحالية فإن حركة النهضة تكون قد خاضت تجربة واسعة وثرية خبرت فيها العمل السري والسجون والمنافي ثم النشاط القانوني وتجربة الحكم لتجد نفسها اليوم بصدد مراجعة جملة من القواعد التي تأسست عليها باعتبارها تيارا إسلاميا كان يرفع شعارات عامة تستهدف بناء دولة إسلامية وإطاحة نظام الحكم العلماني. لقد بدت الحركة في بداياتها وكأنها في حالة صدام مع المجتمع وكانت تسكنها رغبة إحداث تغيير جذري للأشكال المجتمعية السائدة وهو ما يقر به راشد الغنوشي رئيس النهضة بقوله «الموقف الأيديولوجي للحركة لم يكن نابعا من بيئتها في البداية لكنه أخذ يتفاعل معها، ونشأت بين الحركة وبيئتها بعد الصراع علاقة «صداقة»، لتؤثر البيئة في فكرة النهضة وتؤثر النهضة في البيئة. في البداية كان الظن أن التأثير سيكون من جانب واحد، لدينا مشروع ظننا أننا سنغير به البيئة لكن اكتشفنا مع مرور الوقت أن التأثير متبادل بين الفكرة الأولية وبين هذه البيئة التي قبلت من المشروع ما قبلت ورفضت منه ما رفضت» (حوار مع جريدة المغرب بتاريخ 9/ 6/ 2015).
من الواضح أن حركة النهضة قد استفادت من تجربة المشاركة في السلطة لتعيد برمجة آليات عملها بوصفها حزبا سياسيا يرغب في أن يكون شريكا في المعادلة الديمقراطية ضمن النظام السياسي ولا يطرح نفسه بديلا عنها وهو ما عبر عنه راشد الغنوشي بقوله في افتتاح المؤتمر العاشر «حركة النهضة تطورت من حركة قطعية إلى احتجاجية إلى حزب ديمقراطي مسلم لقد تحولت الحركة إلى حزب سياسي أقصى طموحه تقديم حلول فعلية وواقعية للمشاكل التي تعانيها البلاد»، «فالنهضة جزء من الدولة وسند لها ولسنا طلاب سلطة» يقول الغنوشي.
الأمر الثاني اتخذت النهضة قرارا حاسما بالفصل بين السياسي والدعوي والاقتصار على العمل الحزبي بعيدا عن المجال الديني بمعناه المتخصص الدقيق والانضباط لما يقتضيه العمل السياسي ضمن ما يحدده القانون ويضبط شروطه العامة الدستور ومن هنا تخلت النهضة عن فكرة كونها تيارا إسلاميا شاملا لتكتفي بفكرة الانتماء العام للهوية والمرجعية الإسلامية.
غير أن هذه التحولات التي أقرتها حركة النهضة من خلال ما أفرزه مؤتمرها العاشر قد تطرح جملة من الإشكاليات حول طبيعة العلاقة بين السياسي والديني في تونس بمعنى هل أن تحول النهضة إلى حزب مدني ذي مرجعية إسلامية يعني الإعلان عن نهاية الإسلام السياسي أم أنه سيترك المجال لظهور أو تطور تنظيمات أخرى أكثر راديكالية تتبنى الشعارات الإسلامية الكبرى مثل الحديث عن «الدولة الإسلامية» ومحاربة التغريب وأسلمة المجتمع؟ وهل ستحافظ النهضة على غالبية جمهورها الذي تربى على المقولات الإسلامية؟ أعتقد أن طبيعة الممارسة المستقبلية لحزب النهضة هي التي ستحدد مصيره في المشهد السياسي خاصة أن إمكانية النجاح خارج الأشكال التقليدية للحركة الإسلامية أصبحت أمرا ممكنا وقد شكل نموذج حزب العدالة والتنمية التركي حالة متقدمة لحزب سياسي حقق نجاحات لافتة دون أن يحصر نفسه في الأطر الكلاسيكية للحركة الإسلامية متجاوزا مسألة الشعارات العامة مكتفيا فحسب بالتأكيد على القيم الإسلامية العامة والمنظومة الأخلاقية وهو ما نجد له نظيرا في تأكيد راشد الغنوشي على تخلي حركته عن الأشكال وأن ما أبقت عليه «هو القيم، قيم كرامة الإنسان وحريته واعتبار الإنسان كائنا أخلاقيا».

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
24/05/2016
1974