+ A
A -
لا أُصَدِّقُ أنكَ يا عام 2018 تَأتينا مُتَأَبِّطاً خنجرَ الموت لِتَطعننا مرة أخرى كما فَعَلَ زميلُكَ 2017! أُجَرِّبُ أن أَكْتُبَ بأصابع مَحمومة.. القلب يَحزن، والعَينُ تَدمَع، والفَقْدُ موجِع وكاسِر..
أول 2017 يَنتشل الموتُ عَمَّهم الأكبر، وأول 2018 تُكَرِّرُ يَدُ الموت جريمتَها وتَنتشل عَمِّي.. مَن كان يُصَدِّقُ أن عَمِّي سيرحل بهذه السرعة؟! عمي! الطِّيبة هو، والحُبّ، والقلب الكبير الذي يُسابِق الريحَ التزاما بالواجب ومُراعاةً للحقّ..
في رمشة عين أصحو مفزوعةً لِيَتَوَقَّفَ عندي الزمنُ، وأَذوب كَمَداً ذوبانَ الدموع الكاوية.. أَنْصَهِرُ تحت وَطْأة الذكريات التي يَستعرض شريطُها نفسَه.. عَمِّي أول المبادِرين بصِلة الرحم يومَ العيد، عمي أول المبادرين بعيادة المريض، عمي أول من يَمشون في الجنازة، عمي أول مَن لا يَتأخر..
عَمِّي! هل تَتحسَّسُ الآنَ روحُكَ نهرَ الدموع الذي يَجري على الخدين؟! عَمِّي! هل تَسمع روحُكَ دقات قلبي الذي يُعلن حالةَ الطوارئ فَزَعاً من لحظة غيابك الرهيبة عن موعد الحياة؟! عَمِّي! مَن سيُشاركُ أُمِّي وأَبِي الفَرَحَ بي، كما كُنْتَ تَفعل في أفراح إخوتي بعد أن رَحلَتْ جَدَّتِي؟! أم أنني كَبرْتُ على الفَرَح؟!
لسنا مسيحيين لنَحتفي بذكرى ميلاد كبيرهم، لكن لِنَقُلْ إننا لا نُعارض أن يُحاول بعضُهم القبضَ على لحظةِ فَرَحٍ هاربة واصطياد شيءٍ مِن الأمل المعادِل للذراع التي تَدفع عربةَ الحياة دَفْعاً إلى الأمام..
لسنا في حاجة إلى هدايا ولا إلى دِبَبة يَتفنن الواحدُ منها في استعراض ربطة عنقه وكأنه مَدعو إلى حفلة.. من أين لنا برائحة الأعراس وقد تحولَتْ مواسمنا العربية إلى جنائز تَكفي لتَقْتُلَ إحساسَنا بالحياة؟! أم تُراني أعتزل الاحتفالَ كما فَعَلَ باباهم نويل؟!
باباهم نويل يُغادر في صمت، ويَترك لنا لحيتَه.. هل نَكنس بها أوجاعَنا وتاريخاً من الخيبات، ناهيك عن الانكسارات التي عَرَفناها على امتداد السنة؟! أم نُعَلِّقُ لحيةَ باباهم نويل على مشارف القُدس التي باعها من لا يعترفون بالقضية وشربوا نخبَ رحيلها كأسَ الصمت؟!
على مَن نَبكي؟! على باباهم نويل الذي أَفْرَغَ حقيبةَ هداياه في مقبرة الأيام الحزينة، أم على قُدس آلَتْ إلى السقوط؟ أم على يَمَن أصابتْهُ لعنةُ الإسهال فاجتَثَّتْ أحشاءَه، أم على حَصاد الشوك في حَقل مَيِّت يُسَمَّى سوريا، أم على.. وعلى.. وعلى..؟!
قبل سنة تَرَكَ لنا باباهم نويل دُيونا بالجملة دَفَعْنَا بعضَها من حقيبة صَبرنا، وسَدَّدْنَا بعضَها الآخر بشيكات مؤجَّلَة الصَّرف.. قبل سنة تَرك لنا باباهم نويل حِذاءَه، لبسنَاه تباعا فانزلَقْنا وسقَطْنا شَرَّ سَقطة.. قبل سنة تَرَكَ لنا باباهم نويل ذَيْلاً مِن الْمِحَن ظَلَّ يَجلدنا جَلدا إلى أن انتهَت السنة.. وهذه السنة يُقْسِمُ باباهم نويل ألاَّ يَأتي، لكنه يَترك لنا لحيتَه شاهدة، كأننا سنتناوب على اختبار الْحُبّ بنَتْفِها..
باباهم نويل ما عاد يُصَدِّقُ وَهْمَ احتفالهم به، فالأحداث والوقائع تُكَذِّبُ النيةَ.. باباهم نويل يَقول: «أَحِبُّوا بعضكم قبل أن تُحِبُّوني».
نافِذَةُ الرُّوح:
«إلى متى تَنال مِنِّي المسافاتُ الْمُمْتَدَّة بيني وبيني؟!».
«في كُلِّ يوم أُشْعِلُ حُلْما».
«في كُلِّ يوم أُطْفِئ رغبةً».
«في كُلِّ يوم أَنفخ الروحَ في جُثَّة الصَّبر الراقدة قُدَّامي».
«في كُلِّ يوم أَعصر عِنَبَ القلب».
«في كُلِّ يوم يَجْلِدُني التَّذَكُّر».
«في كُلِّ يوم أُقَبِّلُ حِذاءَ القَدَر لِيَرْضَى عَنِّي».
بقلم :د. سعاد درير
copy short url   نسخ
04/01/2018
2995