+ A
A -
يشتد الحصار حول «حزب الله». اغتيال القائد العسكري مصطفى بدر الدين في ظروف غامضة تحوم حولها شبهات كثيرة يضيف حلقة هامة من حلقات الحبل الذي يشتد شيئا فشيئا حول الحزب الإيراني العقيدة، على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية والعسكرية والمالية. فمنذ انخراطه في الحرب السورية دفاعا عن نظام بشار الأسد قبل أكثر من ثلاث سنوات يعيش الحزب حالة استنفار استثنائية، ويشهد نزفا في صفوفه وسقوطا لمئات من مقاتليه، من محافظتي الجنوب والبقاع، بشكل يومي لم يعهده من قبل حتى في أقسى مواجهة خاضها مع إسرائيل في عام 2006.
وكان لهذا الواقع انعكاس على وضعه الداخلي ما أفقده من قدرته على المناورة، وحشره في موقع دفاعي إثر تعرض بيئته الحاضنة التي يسود فيها الأمن الذاتي، أي الضاحية الجنوبية من بيروت، لهجمات غير مسبوقة من عمليات تفخيخ وتفجير. وقد دحضت تلك العمليات الإرهابية ما حاول «حزب الله» تسويقه من أن ذهابه إلى القتال في سوريا هو لمنع تكفيريي «داعش» من المجيء إلى لبنان، ناهيك عن الصعوبة التي بات يواجهها لدى جمهوره في تسويق تورطه في سوريا. وهو يعطل منذ سنتين انتخاب رئيس للجمهورية بالتنسيق مع حليفه ميشال عون زعيم «التيار الوطني الحر» نتيجة لحسابات إقليمية، ولكنه متمسك بالحكومة المشلولة التي يشارك فيها لأنها تؤمن له غطاء سياسيا وشرعيا تجاه الخارج.
وكان من نتائج هذا المأزق أنه يواجه اليوم، ولأول مرة، لوائح معارضة في الانتخابات البلدية في مناطق نفوذه بالذات، وتحديدا في دوائر الضاحية الجنوبية، تعبيرا عن التململ والاستياء من سياسة «العسكرة» و«المجتمع الحربي» وتخوين كل من يتجرأ على الاعتراض. تماما كما حصل في انتخابات مدينة بعلبك بالذات، «قلعته الحصينة»، حيث واجه معارضة شرسة كادت تنتزع منه المجلس البلدي.
غير أن العامل الجديد والأكثر ضغطا هو العقوبات المالية التي أقرتها الخزانة الأميركية ضد «حزب الله»، والتي تحرم على المصارف اللبنانية التعامل مع كل من يمت إلى الحزب بصلة، والتي بدا أن مضاعفاتها ستكون موجعة بالنسبة له. ويوم صدر القرار في الصيف الماضي قال نصرالله إن «العقوبات لا تقدم ولا تؤخر لأن ليس لدينا أموال نستثمرها في المصارف»، وكرر ذلك في أكثر من مناسبة. ومع بدء تطبيق الإجراءات الأميركية أوقف مصرف لبنان حسابا لابنة نائب سابق من «حزب الله» بقيمة 7 ملايين دولار، وتبين أن لديها أيضا شركة وهمية في نيجيريا لتبييض الأموال، ثم أوقف أيضا حسابين لنائبين حاليين من الحزب بملايين الدولارات. من أين كل هذه الملايين؟
طبعا، هذا الأمر فضح نصرالله وحزبه لدى الرأي العام، فيما اتهمت قيادة الحزب المصرف المركزي والمصارف اللبنانية بأنهم شركاء في «حملة الإلغاء الأميركية» عليه. وردت المصارف مؤكدة أن لا خيار أمامها إلا التقيد بالإجراءات الأميركية «بحكم كوننا جزءا من النظام المصرفي المعولم». وهذا الكباش مرشح للاشتداد ولتصعيد المواجهة بين الحزب ومصرف لبنان والحكومة، بعدما شعر أن الحصار بدأ يشتد من حوله، وفي المكان الحيوي والموجع جدا، والذي سيؤدي إلى تجفيف وسد كل مصادر التمويل المتعددة والمتنوعة وغير الشرعية، من عمليات تهريب وتبييض في مختلف أنحاء العالم. ولن يبقى أمامه عمليا سوى مطار بيروت الذي يؤمن عبره وصول شنط مليئة بالدولارات الإيرانية «النظيفة». ولكن إلى متى؟
وجاءت ثالثة الأثافي باغتيال بدر الدين، حليفة عماد مغنية، والقيادي الرابع الذي يسقط في سوريا، في ظروف غامضة تحوم شبهاتها حول حليفيه السوري والروسي. إذ كان لافتا ومفاجئا أن «حزب الله» ولأول مرة لم يتهم إسرائيل بالعملية، خاصة أن بدر الدين هو أحد المتهمين الرئيسيين من قبل المحكمة الدولية الخاصة في جريمة اغتيال رفيق الحريري. لماذا؟ قبل أسابيع سرب خبر عن نية المحكمة استدعاء نصرالله شخصيا إلى التحقيق في لاهاي. صدفة؟ فهل ذهب بدر الدين ضحية عملية تصفية؟.
سعد كيوان
copy short url   نسخ
24/05/2016
2613