+ A
A -
في القرن السادس عشر كتب شاب لا يتجاوز عمره الثامنة عشرة بيانا سياسيا موجها ضد النظام الملكي في أوروبا، وضد الظلم والاستبداد، وعلى مدى القرون الماضية كان يتم طبع هذا البيان المكون من ستين صفحة كلما دعت الحاجة للاستنفار والتصدي لمحاربة الظلم والفساد، وكلما ظهر طاغية جديد، حتى استقرت الأمور لديهم ولم يعودوا بحاجة للاطلاع عليه إلا من باب الفضول، أما نحن فيبدو أن حاجتنا إليه ستظل قائمة إلى أبد الآبدين، وان كنا سنتصفحه أيضا من باب الفضول، يقول هذا الشاب الصغير الذي فاقت حكمته حكمة الشيوخ «ايتين لابوسيه»: عندما يتحول الملك إلى طاغية فإن كل ما في المملكة من شر ومن حثالة، سيجتمعون من حوله ويمدونه بالدعم لينالوا نصيبهم من الغنيمة، وحين أتفكر في هؤلاء الناس الذين يتملقون الطاغية من أجل أن ينتفعوا بطغيانه وبعبودية الشعب، يتولاني الذهول! الذهول حيال شرهم، وحيال غبائهم، فهل يعي هؤلاء أن التقرب من الطاغية لا يعني شيئا سوى ابتعادهم عن الحرية؟ والارتماء في أحضان العبودية، أن الأشرار حين يجتمعون معاً لا يؤلفون مجتمعاً بل مؤامرة، ولا يوجد بينهم ود وحب بل يخشى بعضهم البعض، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تجمعهم صداقة، وإنما التواطؤ، يا آلهي! كيف يكون المرء منشغلاً ليلاً ونهاراً بإرضاء رجل واحد يخشاه ويخاف منه أكثر من أي شيء في الدنيا، أي تعاسة وأية رذيلة تعسة أن نرى عدداً لا حصر له من الناس ولا أقول يطيعون بل يخدمون شخصاُ واحدا، لا مُلك لهم ولا أهل ولا زوجات ولا أمهات ولا أطفال، بل حياتهم كلها نفسها ليست مُلكهم، ثم هل يمكن لحاكم عاقل وسوي وحر استعباد شعبه إذا لم يكن هو نفسه مستعبداً من طرف ذاته؟ إن الحاكم الطاغي ليس سيد نفسه ولا يستطيع التحرر من سجنه، ولا يمكن أن يغير سلوكه، ولا يمكن للحاكم الحر العاقل استعباد شعبه، إلا إذا كان يعيش حالة الاستعباد ذاته، فهو شخص غير طبيعي، في خوف دائم من شعبه، يلجأ إلى الترهيب والعنف لقمع الاحتجاجات والتمردات، ويسعى إلى تقوية سلطته بالقوة والحيلة، والكذب والإعلام الفاسد، والمهرجانات المنحطة والحفلات الشعبية السخيفة لتخدير الناس وإلهائهم عما هو أهم.....الحرية». ولعل وصف «لابوسيه» للحاكم الطاغي فيه بعض العزاء لمن لا عزاء لهم، فهو حسب تحليله، ليس لديه كرامة له ولا أخلاق، يعيش في عزلة دائمة عن الناس، يمتاز إذا اعتبرنا هذه ميزة بالتعالي والاستعلاء، ويحث الجميع على تقديسه والركوع له وعبادته، فهو فوق القانون وفوق التاريخ، ولا يمكن محاسبته أو مساءلته، وكأنه إله يسمو فوق كل البشر! ولا أدري ماذا إذا كان العظيم غاندي قد قرأ هذا الكتُيب أم لا؟ لكن الطريقة التي اتبعها ونادى بها للتخلص من من الاستعمار الإنجليزي المهيمن على خيرات ورقاب بلاده هي نفس الطريقة التي وصفها المؤلف بالضبط «العصيان المدني» فالطاغية لا يحتاج لمحاربة، وليس هناك ما يدعو للقضاء عليه، فهو مقَضى عليه تلقائياً، بشرط ألا يقبل الشعب أن يكون مستعبداً له، وليس المقصود انتزاع شيء منه بل عدم منحه أي شئ، أن لم تُقدموا للمستبد فروض الطاعة سيفقد سطوته عليكم، تخلصوا من الواقع الذي ترفضه حتى البهائم، لا تسعوا للتخلص منه، بل أعربوا عن تلك الرغبة فقط وهناك أكثر من طريقة لذلك، كفوا عن تقديم الدعم له أيا كان شكل هذا الدعم ولسوف ترونه مثل تمثال نُزعت قاعدته من تحته، وكيف سيهوى بتأثير وزنه فيتحطم....وأخيرا لا تكونوا حماة للص الذي يسرقكم، والقاتل الذي يقتلكم...لا تخونوا أنفسكم. أحزموا أمركم على التخلص نهائياُ من الخنوع، و...ستصبحون أحراراً..
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
04/01/2018
3797