+ A
A -
هي الزيارة الثانية لسلطنة عُمان.الأولى كنت وحدي لدواعي الترانزيت، على أن الثانية أصبح لها مذاق عائلي كوني كنت بصحبة أسرتي. ورد عن الليدي ديانا أنها كانت تتناول طعامها وحدها قبيل تناول أي عشاء رسمي، لتستمتع بالطعام دون التقيد ببروتوكولات رسمية. فتعلمت منها أن هناك ما هو أقل من الضرورة في السفرلأي وجهة وحدي – لو سنحت الظروف- قبل أن أزورها جمعاً مع العائلة. للسفر وحدك مذاق أطايب الكستناء. فلقد خبرت السفر لأكثر من وجهة مع عائلتي ومع نفسي، وكان الترحال مع الأخيرة أمتع، شريطة ألا تتجاوز السفرة الأسبوع، أكثر من السبع، تتمسخ مذاقات الحلا وحامض طعيمات السكاكر يصير.
مع نفسي اكتشفت أني مغامرة من الدرجة الأولى، فلي طريقة مميزة في تدليل نفسي وإرضائها. كنت أصحو فجراً منتوية السعادة جهاراً، متصدية لشتى محاولات التنغيص. أحسب أننا جبلنا على أن الأنانية معيبة، رُغم أننا كبشر مُصممون للانتباه لأنفسنا أكثرمن أي آخر، ولا أنسى وصية المُضيفات الجويات، تلك التي نسمعها بالمقاعد الخلفية برحلات الطيران: «لا تُساعد أحد قبل أن تُساعد نفسك». وأنا أقول «لا تُسعِد أحداً قبل أن تُسعِد نفسك». فالسفر وحدك يصلح نفسيتك، فتستطيع المساهمة في إفادة الآخرين. بمطار السيب وجدت سائق الفندق بانتظاري، حمل أمتعتي، ووصَلني لباب النُزل. ألقيت بحقائبي بغرفتي، ثم هرولت لاقتناص كل ثوينة في مشاهدة ربوع السلطنة. ما أن كدت أخرج من الفندق حتى ناداني موظف الاستقبال : أراك مسرعة، إلى أين؟ : سأذهب لمشاهدة السلطنة. :إذن انتظري، فالسائق جاهز لمصاحبتك أينما تريدين. اعتذرت كوني أريد اختبار تجربة البحث عن المجهول، أما السائق فيعرف كل شبر في السلطنة، فسيطمس كل أثر للجدة، ما سيغتال دهشتي. كان النُزل يختبئ بأحراش نائية، فاضطررت للمشي سويعة للخروج للطريق الرئيس الذي وجدته يتسع لثماني حارات، لا أعرف كيف اجتزتها! ما فعلته يندرج تحت مسمى النزق الذي لا أريد تكراره يوماً. وللآن أسمع أصوات حفيف العجل المقاوم للمكابح والذي يضرب بخصومة الأرض لمحاولة كبح السرعة لتفادي الاصطدام بي. كان بيني وبين السيارة التي كادت تصطدم بي مسافة صغيرة جدا. أنقذتني المُعقبات، تلك الملائكة الشديدة اللطف، المخول لها صلاحيات انتشالنا من المصائب. فلم أنس السلام عليهم بعدما رأيت آثار شعلة نارية من أثر احتكاك المكابح بالأسفلت. الطريف أني مضيت في رحلتي غير عابئة بدقات قلبي، ومضيت اليومين في عبور الأراضي العمانية سهولاً، جبالاً وخلجاناً. لم أترك موقعا لم أقف على عتباته، جامع السلطان قابوس، دار الأوبرا، سوق مطرح وشاطئ القرم، ولكم استمتعت بأحضان جبال عمان التي تحيط بالسلطنة وتُربت على قلوب زائريها.
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
06/01/2018
3147