+ A
A -
جاريد كوشنر شاب يهودي أميركي في مقتبل العمر، يملؤه الطموح والتعلق بمشاريع العقار والتلفزة و«الشو بيزنس» كوالد زوجته دونالد ترامب، وكذلك الفرص غير المسبوقة التي تقدمها له القدس مدينة العرب والمسلمين والمسيحيين، ولكنْ ليس اليهود، بشهادة اليونسكو التي ما اتهم باحثوها بالكذب يوماً.
وإذا أردتم الصدق، فأنا لا ألوم كوشنر كثيرا، فالرئيس الأميركي يعتبر زوج ابنته «إيفانكا» نسخة عنه، وقد تعمد تزويجها من يهودي لتكون الثمرة الأولى شديدة الحرارة، لكنها كانت شديدة المرارة لأن حفيده اليهودي ثيودور لن يصبح ملكاً للقدس كما يريد الصهيو ــ أميركيون، بل مجرد فرد آخر سيدفع ثمن مغامرات ترامب وهواجسه. أمر الرئيس بإدخال حفيده على الفور في طقوس التصهين التي أمر بها مهووسو القلة البروتستانتية التي تنسب القدس لليهود والتي تنتظر تنفيذ «الوعد» منذ قرار الكونغرس الأميركي لعام «1995» بتحويل القدس إلى عاصمة لإسرائيل.
كوشنر ليس أكثر من خاتم في إصبع ترامب وابنته، وقد أصبح تبعاً لذلك كاتم أسراره ولسان حاله في كل شيء يتعلق بالشرق الأوسط، رغم ندرة معلوماته حول تفاصيل تلك المنطقة الاستراتيجية والحساسة.
لكن مقتضيات أحوال شاذة كهذه تتطلب أموراً عجيبة ليس أولها ولا آخرها قطع المساعدات الأميركية عن سلطة محمود عباس لأنه قرر أخيراً أنه لن يتفاوض مع أميركي بعد اليوم. فهل استوعب الدرس؟ أنا شخصياً لست مستعداً لأن أضمنه.
بسرعة قياسية دخل كوشنر المحافل اللازمة لاستكمال الدور المرسوم له، ومَلَأ «الفراغات» لإتمام حلقات الوصل، غير عابئ بصلاح الدين أو عشرات الآلاف الذين حرروها، وإنما بالمتصهينين من أميركا وأوروبا ممن عرضوا عليه مئات الملايين لاستكمال صفقات لمد سكك الحديد والطرق وكل ما يتعلق بالمواصلات البرية والجوية وشبه الفضائية التي ستنقل ملايين السياح اليهود بين أحياء القدس ومقدساتها اليهودية الدخيلة.
جاء كوشنر وإيفانكا كعرابيْن ليحولا القدس إلى دجاجة تبيض ذهباً. مشروع قد يبدو لهؤلاء المؤمنين بالأساطير، وليس العلم، ابديا ككوشنر وبقية أفراد المجموعة الواقعين تحت تأثير عقيدة مريضة وهوس متداول في المؤلفات الصفراء المفبركة، التي تعتبر القدس أم المدن اليهودية رغم أن أحداً لم يعثر على قطعة فخار أو قرش يشهد أنه كانت هناك دولة اسمها إسرائيل.
إسرائيل لم ولن تكون، مهما غلفوها بالجدران أو أحاطوها بالشياطين، أو الديكورات وأدوات النصب والاحتيال، وكذلك العاصمة «الأبدية» التي لملموها وجروها دون جرافات إلى حيث لا يعرف السايكوباثيون أين بالتحديد؟!
قد لا تدرك تلك القلة البروتستانتية الحاقدة التي لا يعترف بها أصحاب العقول والديانة الحقة، أن عاصمة إسرائيل الجديدة ولدت ميتة رغم كل ما بني أو سيبنى فيها أو حولها، فهي تتكلم العربية قبل ظهور الأديان.
ويسلّم المطلعون على الحقائق بأن كل الذين تعاقبوا على المدينة من سياح أو زوار أو من أقاموا فيها لفترات، بالحقيقة التي لا ينكرها العارفون، وذلك بإقرارهم بأن المدينة لأهلها المسلمين والمسيحيين، وبأن النبي عيسى عليه السلام نصراني فلسطيني، وليس يهودياً كما يدعي حاخامات مغرضون. وهذا ما أقرت به الحملات الصليبية على فلسطين والانتداب البريطاني ذاته. ترامب في الواقع ضيّع نفسه وذريته، ذلك أن القدس تعرف أين تقف وإلى أين تتجه . وإذا أراد رئيس أميركي ما إشعال حرب، فالقدس ستطفئها، لأنها مدينة السلام التي لا يعرف عنها كوشنر شيئاً، والذي سيكون في مكان آخر عندما يوضع الخيط في الإبرة.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
11/01/2018
2712