+ A
A -
يُحكى أن ملكًا طلب من أشهر نجار في مملكته أن يصنع له كرسيًا للمُلْكِ بدل كرسيه القديم، سُرَّ النجار بهذا الشرف العظيم وباشر من فوره، ولكن الملك كان متطلبًا جدًا فلم يعجبه هذا العرش الجديد، فأمر أن يُعدم النجار في الصباح!
طلب النجار أن يقضي ليلته الأخيرة في بيته، فوافق الملك...
لم يستطع النجار تلك الليلة أن ينام، كيف لا والصبح موعد رقبته مع السياف، ولكن زوجته قالت له: نم ككل ليلة فالرب واحد والأبواب كثيرة!
وبالفعل نام النجار، وما استفاق إلا على صراخ الجنود وصوت الخيول في باحة منزله، فعرف أن الأجل قد حان، وعندما طُرق الباب، اتجه ليمضي إلى أجله، ولكن رئيس الجند قال له: لقد مات الملك، ونريدك أن تصنع له تابوتًا!
عندها همس النجار قائلًا: فعلًا، الربَّ واحد والأبواب كثيرة!
قد لا تكون هذه القصة حقيقية، ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الربّ واحد والأبواب كثيرة!
ما منا من أحد إلا وصلت به الأمور مرة إلى طريق مسدودة، ظنَّ عندها أن لا خلاص وأن حياته صارت بلا طعم، ولا هدف وإن استمرت، ثم دارت الأيام فإذا السدود أُزيلت، والعوائق ذُللت، ما من سبب يُفسر هذا غير أن هناك رب لم يتركنا حين تركناه وطرقنا أبواب الناس!
ما منا من أحد إلا ورغب في أمر ما بشدة، وظنّ أن حياته هي هذا الشيء الذي يريده، ولعله سخط حين أراد الله أمرًا وأراد هو آخر، ثم دارت الأيام ليكتشف أن الخيرة حقًا كانت فيما اختاره الله لنا، هكذا نحن البشر لا ندرك إلا متأخرين أن الله أحيانًا يحرمنا ما نريد ليمنحنا ما نحتاج!
إن الله يدبر الأمور بطريقة لا ندرك أبعادها إلا بعد وقت، نحن قاصرو التفكير ننظر إلى الأمور من جانب واحد، جانبنا نحن! أما الله فيدبر الأمر كله!
خرج المسلمون لا يريدون إلا قافلة قريش، وكان هذا في نظرهم يومذاك أقصى ما يمكن أن يلحقوه بقريش من هزيمة، ولكنهم علموا لاحقًا أنه لولا نجاة القافلة لنجا أبو جهل وأمية بن خلف!
لو كان بيد أم موسى ما ألقته في اليم، ولكن من كان الأمر بيده أراد أن يقول لفرعون؛ قتلت آلاف الأطفال خوفًا من هذا، خذه إذًا وربه في بيتك رغمًا عن أنفك! من كان يظن صبيحة ذلك اليوم أن أم موسى لا تلقي ولدها في النهر، بل تدق مسمارًا في نعش فرعون!
لو كان الأمر بيد يعقوب ما ترك يوسف لحظة، أراده ابنًا في حجره، وأراده الله ملكًا على عرش مصر!
هذا التبدير المتقن، المذهل في الدقة والمواعيد نعرفه اليوم لأننا نعرف ما انتهت إليه تلك الحوادث والقصص، ولكننا في قصصنا نحن، في اختيارات الله لنا، لأننا لم نشهد الواقعة كلها، ولم ندرك الحكمة بكامل أبعادها، يأخذنا الشك لحظة لأننا بشر، ولكن لنتأدب مع الله، غابت الحكمة عنا، فلا يغب عنا أن الذي جمع قريشًا والمسلمين من غير ميعاد، وألقى موسى في بيت فرعون ليهلكه، وأخذ يوسف من أبيه ليجعله ملكًا وينجي به أهل مصر لم يغب يومًا عنا، إنه يدبر أمورنا بذات الحكمة والرحمة، صفاته الأزلية الأبدية سبحانه، رب الخير لا يأتِ إلا بالخير، فعلقوا قلوبكم بالله!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
11/01/2018
4844