+ A
A -
لن تعود الأوضاع في الأراضي الفلسطينية لما كانت عليه قبل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس المحتلة، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
صحيح أن الهبة الشعبية لم تتحول إلى انتفاضة عامة، وإن كانت فعالياتها تتواصل يوميا، لكن ثمة تحول جوهري في الوعي العام وعلى المستويين الرسمي «السلطة» والشعبي.
التصريحات أو بالأحرى التغريدات المتوالية من ترامب بشأن الملف الفلسطيني، والتي تنطوي على قدر غير مسبوق من الاستفزاز والوقاحة، تصب المزيد من الزيت على النار، خاصة ما قاله بشأن إخراج القدس من دائرة المفاوضات مستقبلا، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ترامب وبكل حماقة يهدد شعبا تحت الاحتلال بقطع المساعدات عنه، دون أن ينتبه إلى أن أميركا تدفع هذه الأموال للسلطة نيابة عن دولة الاحتلال، وقطعها يعني دفع الفلسطينيين للتمرد على الوضع القائم بعد اتفاقية أوسلو.
وإذا ما تأكدت الشكوك حول نية الإدارة الأميركية وقف تمويل وكالة الغوث الدولية «الأونروا»، فذلك يعني حربا مفتوحة على ملايين الفلسطينيين في الشتات.
أما أكبر حماقة يمكن أن ترتكبها الإدارة الأميركية فهي التخلي عن دورها لاستئناف عملية السلام، لأنها بذلك تعطي الفلسطينيين الحق في البحث عن خيارات أخرى لنيل حقوقهم المشروعة.
الفلسطينيون وبكل الأحوال لم ينتظروا ترامب ليتخذ هذا القرار، فبعد خطوته الكارثية بشأن القدس، تولدت روح جديدة في أوساطهم. السلطة الفلسطينية اليائسة والمحبطة من الموقف الأميركي تستعد لتبني مقاربة جديدة للصراع مع إسرائيل، ويقول مسؤولون كبار فيها إن اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في الرابع عشر من الشهر الحالي سيكون نقطة تحول في سياسة منظمة التحرير ومؤسساتها.
وقبل أيام عبر قطاع واسع من الفلسطينيين عن ولادة روح جديدة، ترفض الوضع القائم وتتمرد عليه، عندما أعلنت بلديات بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا ومجموعات وطنية واسعة رفضها لاستقبال بطريرك الروم الأرثوذكس كيوريوس ثيوفيلوس في بيت لحم، ومنع من المشاركة في احتفالات الطوائف الدينية، لدوره المشبوه في بيع أملاك كنسية لحكومة الاحتلال.
لم يسبق أن تعرض البطريرك لمثل هذا الموقف من قبل لدرجة أن الشبان ألقوا بأحذيتهم على موكبه، وأجبروه على العودة من حيث جاء.
هذا تعبير مهم عن الدرجة التي بلغها الوعي الفلسطيني، واستعدادهم لتطوير أشكال المقاومة غير العنيفة للاحتلال وأدواته.
لن يعود الشعب الفلسطيني لحظيرة أوسلو مجددا، وسيكون من الصعب على المجتمع الدولي التعامل مع الحالة الفلسطينية بنفس المقاربات السابقة، والضغط عليهم لضبط النفس والقبول بقواعد اللعبة القديمة. ترامب حطم هذه القواعد أصلا فلماذا يتمسك بها الفلسطينيون والعرب؟
ينبغي على القيادة الفلسطينية استثمار هذه اللحظة التاريخية، واستكمال جهود المصالحة الوطنية، وتصعيد كل أشكال المقاومة السلمية لمخططات الاحتلال، والاشتباك الإيجابي مع القوى العالمية التي تقف في صفهم، لكسر العزلة التي يحاول ترامب ونتانياهو فرضها عليهم.
وليس مطلوبا من العرب المنهكين سوى دعم صمود الفلسطينيين على أرضهم. المعركة القادمة ستدور على الأرض في القدس، وعموم الأراضي الفلسطينية، وسلاحها الأمضى هو الإنسان الفلسطيني، وواجب العرب الوقوف في صفه.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
12/01/2018
2969