+ A
A -
في أحسن الاحوال، أدت ثورات الربيع العربي الى استبدال الدكتاتوريات بفوضى ثبت انها افضل بكثير من الاستبداد! لكن الشيء الوحيد المؤكد هو ان عذابات شعوب المنطقة ليست في طريقها الى نهاية قريبة، وهذا ما يدعونا للاعتقاد بأن الصواعق والعواصف قادمة بالجملة، أعنف وأسوأ مما سبق.
لا نعرف بالضبط ما سيحدث بالطبع، لكننا نعلم أن الحكام الطغاة يستعدون لاستئصال التوتر بكل السبل الممكنة، كما نجهل حجم ذلك التوتر المخبأ في صدور لم يعرف التاريخ مثيلا لها لشدة يأسها وغضبها، وجاهزيتها للموت هذه المرة بقلوب جريئة، مع التضحية بكل ما تملك.
دفعت الأغلبية أثمانا باهظة، ابتداء من سوريا والعراق ثم لبنان، مرورا باليمن الصريع وليبيا المريعة وأجزاء واسعة من الشرق الأوسط والخليج وشمال إفريقيا، وانتهاء بالولايات المتحدة وروسيا وأوروبا حيث يأخذ الارهاب شكل خلايا مدربة لا تهاب أي نوع من الموت أو المواجهة.
تكون النار تحت الرماد حينا، وتحت التراب حينا آخر، وفي قلب مخادعنا أحيانا كثيرة. ويبقى الفلسطينيون في مقدمة الشعوب العالقة في مشابك التاريخ الفولاذية التي لا ترحم، رغم نجاحهم المفاجئ في جر قضية القدس جرا الى مقصلة لا تنتهي من مواجهات شعبية مليارية ورصاص حي ونصف حي ونعوش وصدور عارية ومعسكرات اعتقال بالآلاف.
الاحتلال يبذل جهودا لم يتوقعها ومؤازرة إسلامية مرعبة للقدس العربية وسط مساع أميركية لإظهار ما يحدث وكأنه مجرد تمرد يشبه الثورة الاخيرة على أبواب الأقصى الالكترونية، أو الاحتجاج على أوقات الصلاة والأذان.
وما يظهر بالتدريج الآن إصرار الشعب الفلسطيني على الإثبات للإسرائيليين بأن الحياة صعبة في الضفة الغربية، لكها ستكون أصعب بالنسبة للدولة اليهودية المصابة بالجشع والصمم. وهذه الحالة كما يتوقع محللون فطنون ستظهر في المقبل من أيام وشهور وسنوات. فالناس هناك جاهزون لأن يُقتلوا ويُسجنوا ويُعذبوا ويقطّعوا إلى أشلاء، وهو استنتاج أفقد ترامب أعصابه.
والمثير للذعر أن المشكلة تكاد تكون عامة، فالناس في مصر لم تصبح أحوالهم أفضل بعد مبارك، وسكان ليبيا مشرّدون ويمرون في أوضاع مزرية، فيما أغلب السوريين تفقدهم أوضاع بلادهم الأمل بالعودة.
عذابات الجميع في هذا الإقليم لا تبدو على عتبات نهاية ما، والمرعب هو امتزاج الانكسار بالإصرار على الانتصار، مما يولّد غضبا مركبا يضمن تواصلا للحروب التي نعيشها منذ غزو أفغانستان ثم العراق، والتي تتجدد الآن لترينا نسخاً أشد سوادا وأكثر دموية وتدميرا.
مخطئ من يظن أن اسرائيل في منأى عن الأذى، فحروبها ذات سيناريوهات عدة تتراوح بين تدهورات أمنية مع لبنان وسوريا والعراق ، عدا اشتعال الساحة الفلسطينية لتؤكد استحالة الحل الذي يتطلع إليه نتانياهو وترامب.
أما صفقة القرن التي يتفاخر بها ترامب، فقد بدأت تُظهر لنا أنه لا المستوطنات باقية ولا أبوديس ستكون عاصمة لمحمود عباس الذي اقترب اختفاؤه كريشة لم تكن، فيما سيعود الاعتبار الدولي كاملا للأونروا واليونسكو.
لكن الأخطر هو انتشار اليأس والغضب داخل حركة «فتح» التي عاد قادتها إلى الإيمان بأنه لا بديل عن الكفاح المسلّح، فيما يرى المحلل الإسرائيلي الأهم «أليكس فيشمان» بأنه اقترب انهمار أربعة آلاف صاروخ يومياً على إسرائيل من لبنان.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
14/01/2018
3284