+ A
A -
في مقالاته بـ «الوطن» يقدم الزميل الأستاذ محمد حمد المري رئيس التحرير، قراءة تحليلية للمشهد السياسي والإعلامي، بلغة تجمع بين دقة الرصد والقدرة على النفاذ إلى خلفيات الموضوعات والأحداث التي يعالجها، وتجمع بين بساطة المفردة وعمق المحتوى والقدرة على الوصول إلى عقل القارئ وقلبه.
فهو يستلهم حكمة القيادة في إدارة الأزمة وتوحد القطريين حول قيادتهم وحبهم لبلدهم، وتفانيهم في الدفاع عنها والذود عن حياضها، وتماسكهم خلف قيادتهم للعبور من ظلمات الحصار ومظالمه إلى فجر الاستقلال والسيادة والكرامة والعز التي بشر بها سمو الأمير.
هذه المقالات ألهمت الأديبة الدكتورة سعاد درير، فكتبت عن المحبة التي تبثها بين السطور والحكمة التي تسندها واللغة الشاعرية التي لم تمنعها السياسة عن بث عطر الحكمة والمحبة والأمل.
وفي ما يلي نقدم تلخيصا للنصوص المازية التي كتبتها وهي تتأمل مقالات الزميل رئيس التحرير.التي اختارت للجزء الأول منها عنوان«أوراق مسافر في عيون العشق» وللجزء الثاني عنوان «في ضوء لغة الإصرار».
أَوَّل العِشق دارُكَ
أَوَّل العِشق دارُكَ، وآخِر العِشق دارُكَ، وما بين عِشقٍ وعِشقٍ تَكْبُرُ في العينِ والقلبِ دارُكَ.
الدار أَكْبَر من جُدران وسَقْف. الدار هواء وماء وسماء وسرير دافئ وأرجوحة تَرضع فيها حليبَ الهوى.. والهوى، كُلُّ الهوى دارُكَ.
الدار وطنُك، وفِدَى عَيْنَي وطنِك أنتَ تُقاتِل وتُنازِل، وأَمْضَى من السيف كَلمتُكَ تَأتي.
وطنُكَ قارِبُكَ الذي يَمْخُرُ عُبَابَ الموج لِيَصِلَ بكَ إلى بَرّ الأمان حيث لا خُنوع ولا خُضوع ولا هوان، فلهذا تُدْمِنُ أنتَ رائحتَه (الوطن)، تُعانِقُها بقلبِكَ ووِجدانِك،َ وكلما نَأَيْتَ عنه ازْدَدْتَ حنينا إليه، وبِقَدْر ما تَرتمي في حضنه تَشعر بأنك تتنفَّس وبأن الهواءَ يَتَسَلَّلُ إلى رِئَتَيْكَ ما أَنْقَاه..!
صَدِّقْ أن الوطنَ ليس سوى الرئة الثالثة التي فيها حياتُك.
فمن يَسمح للإعصار باجتثاث الدار والحال هذه؟!
لا تَقُلْ لي إن محاولَةَ القفز على الثوابت والمبادئ والقِيَم التي يُؤْمِن بها الوطن تختلف كثيرا عن محاولة اقتلاع الشجرة من جذرها وأنتَ المسكون بعشق الجذور والشجر وكل ما يَدخل في تأسيس الدار الكبيرة من حَجَر..
لا بَل صَدِّقْ أن الحَجَرَ، الحَجَر نفسه يَكاد يَنْطق: «أُحبكِ»، «أُحبكِ يا دار»!
الحُبّ، الحُبّ عبادة، والتهاون في الحُبّ تقصير في حَقّ المحبوب وتشكيك في السيادة.
دَرس في الحُبّ والتربية على الحُبّ يُعلِّمك إياه عاشِق لِداره الأمّ الوطن، عاشِق تَرى في مرايا قلبِه وعينيه وَجْهَ الحُبّ الدافئ بالرغبة في العطاء والعطاء.. ذاك الوجه الذي تُؤَثِّثُ فضاءَ دِفئه أوراقُه (العاشق)، عاشق يُسافر في العيون، والعيون عيون العشق. هو ذا الكاتب محمد المري الذي لا يَزيده عناد المعاندين إلا صمودا لا يَحتاج إلى أذرع لِتَدفعه دفعاً، كيف لا والصمود سلاح يُقوِّي على المواجهة ويُؤكد يوما بعد يوم قوةَ التحمل ويُجَسِّد أسمى معاني الالتصاق بالأرض أُمّهم الحنون:
«كل ما فعلوه وينوون فعله يزيدنا قناعة بأننا على حق وتماسك والتصاق بالأرض» (محمد المري، سمعوني.. صوتكم).
فلهذا تَجِدُ المري يُناديكَ بصوت القلب مرة أخرى، القلب الذي يَنْزِف، لِيَقِفَ بِكَ عند قضية كُبرى، ولذلك لن تَندم على عُبور مقالاته الأخيرة.. أقول لكَ لماذا؟! لشيء واحد أَهمّ من أيّ وكلّ شيء آخَر: لِتُقَوِّيَ غريزةَ العشق، عشق الدار، الدار الوطن..
العشق فنون، وهذا فنُّه في الحُبّ هو العارِف بالحُبّ، حُبّ الوطن، وحُبّ الأوطان من الإيمان..
بُلوغ المدى، مدى العشق، هذا ما يَصنعه عاشق لا يُمْكِنُه التنازل عن العشق عندما يَكون مِحْوَر العشق الوطن وقد حكى لهم الوطن حكايةَ الإباء والصمود:
»صدمهم صمود قطر وتماسكها وامتصاص حملتهم وآثارها في أقل من عشرة أيام» (المري، سمعوني.. صوتكم).
مِن المؤسِف والمخجِل أننا في زمن تبدُّد الثروة وتراجع النخوة نَجِدُ أن الغَرْب (الأجانب) كلما تَقَدَّمَ بهم التاريخُ ازدادوا نفوذا ومنزلة واتحادا في ما بينهم وقوة.. بينما العَرَب (مَجْد التاريخ وعِزّ الأُمَّة وميزان التقوى في زمن الصحوة) أغلبهم لا يتفقون إلا على عدم الاتفاق في ما بينهم ولا يتحدون إلا ضد بعضهم.
هل المروءة في أن أنتصر لِعَدوي رغبةً في النيل من ابن عمي؟!
هل المروءة أن أَضمّ صوتي إلى صوت ابن عمي رغبة في ظلم أخي؟!
كيف للتاريخ أن يُنصفني وأنا لا أُنْصِف الحقَّ ولا أنصف نفسي؟!
أم تَكون هذه بداية النهاية كما قالوا في غير السياق؟!
عشق الوطن مبدأ.. ومن هنا تأتي غيرة المري على وطنه. ولا أدلّ على هذا مما تَكشفه أوراقه الأخيرة:
-النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس لا إلى النصف الفارغ.
-تأكيد خطاب التفاؤل (تفاءلوا بالخير تَجِدوه) مُجَسَّداً في صورة العنوان «أبشروا بالعز والخير» المقتطف من كلمة لراعي الوطن.
-الانتصار للقِيَم التي تربى عليها الْمُواطِن في الوطن.
-الاعتراف بأن الوفاء لِحُبّ الوطن أولوية ولا مجال للتشكيك في الوطنية.
ترسيخ الحِسّ الوطني..
بعد هذا، أليست خيانة عظمى ألاَّ تَذُودَ عن الوطن؟! أليس من حقك أن تَصرخ متوجعا حين تنال شوكة من الوطن؟!:
«الجميع يعلم ما هي قطر وما هو اقتصادها ودخلها وعلاقاتها وتأثيرها.. والكل يدرك قدرتها على مواجهة الأزمة إذ سبق أن أعدت استراتيجيتها قبل سنوات لمواجهة مثل هذه الظروف مما يجعلها قادرة على التحدي لـ «100» سنة مقبلة بفضل الله أولا ثم ما تمتلكه من مصادر دخل متنوعة، وقبل ذلك شعب قوي ومتماسك» (المري، بتشوف يا الجبير).
الحُبّ ثروة في القلب.. والحُبّ كذلك ثورة تَستحق أن تُعلِنَها حين تَجتاح الوطنَ موجة عاصفة.. والمواطن الصالح هو الفنان الذي لا يُقصر في حُبّ الوطن وإبهارنا بحُبِّه.. هذا الحُبّ الذي لن تَكبت الرغبة في إعلانه.
لو ذَبحتَ الحروفَ ولَوَيْتَ أعناقَ الكلمات فإنك لن تنجح في إسكات المشاعر.. من هنا لا غرابة أن يكسب الوطن التعاطف مهما حالت دونه القطيعةُ..
بين الظفر واللحم لا مجال للفصل، من هنا التصميم والعزم على إبقاء التحام أطراف الجسد الخليجي وكأن صاحب الأوراق يستل سيف الكلمة: ما بالهم «يسعون ويحاولون بشتى الطرق الملتوية للدخول بين الظفر واللحم»؟! (المري، كوجا.. مرحبا).
ألسنا نرى بالعين المجردة كيف تتآكل أطراف قطعة الثوب الحرير (الخليج) التي كان يتلفف ببعضها الآلاف وهُم يَحجون إلى المكان طمعا في تحسين وضعياتهم المعيشية والمادية؟!
لذلك يَرى الكاتب أن المصالح الفردية يَنبغي أن تَذوب وتتلاشى عند مَن يُريد له أن يُفكر في الصالح العالم مراعيا أسبقية الكل على البعض، وما يُرضي الكل لن يُغْضِبَ البعضَ يقينا، وأين؟:
إنها «منطقة تشتعل النيران في أطرافها» (المري، كوجا.. مرحبا).
لذلك فمن الحكمة ألا تَغفل عيون من يهمهم الأمر عن مراعاة ضرورة الحرص على توازن المنطقة وفرض استقرارها:
«فالمنطقة نسيج واحد ومتداخل، إما أن تنمو وتستقر معا.. أو تتدهور وتتأثر معا!» (المري، كوجا.. مرحبا).
ولهذا قام أهل الدار بالواجب: الترحيب بالحوار ودراسة لائحة المطالب قبل معرفة المطالب، الشيء الذي ينمّ عن رقي ذوق وبُعد نظر..
والأجمل أن تنتقل الحكمة إلى الشعب الذي يقول بلسان المري إنه يريد أن:
«لا ننزلق كمواطنين في الرد على الإساءات أو الاستفزازات» (المري، بتشوف يا الجبير).
يتحدث المري عن عصفور يسمى حرية التعبير يريدون أن يُلقوا به خلف قضبان قفص السجن لما فَكَّروا في اعتقال «الجزيرة». فهل يَبلغ التضييق على حرية التعبير مبلغا يَجْعَل من قمعها فزاعة المراد منها نشر الرعب في وجه الباحث عن الحقيقة؟!
«الجزيرة.. تساند الحقوق وتفركش الخطط وتنشر التسريبات وتكشف المؤامرات..؟!» (المري، سمعوني.. صوتكم).
هل يريد المري أن يقول إن الجزيرة تفتح الباب لإعادة تقييم السياسات الداخلية؟!.. فما تكشفه ليس بخاف عن قنوات التواصل الاجتماعي التي تَسهر على كشف المستور..:
«الشعوب واعية جدا ولديها وسائلها، وكل فرد عنده جريدته في الفيسبوك وقناته في تويتر والسناب ومجموعته في الواتساب وهو محرر ومصور ومتابع، ولا يستقي المعلومة من مصدر واحد» (المري، كوجا.. مرحبا).
لكن ما يزعجهم في الجزيرة حدّ الإلقاء باللائمة عليها هو التحليل والقراءة اللذان تجتهد فيهما (الجزيرة) لاسيما وأن عَبَدَة شيطان الظلام يخشون يَقَظَةَ النِّيَام.. لذلك تَجِدُهم يجتهدون هم أيضا لكن في التخلص من كل ما قد يَبعث على فتح العيون..
وعلى ذكر فتح العيون نستشف من وقوف المري عند نقطة الهجوم على دعم قطر للربيع العربي قائلا:
«مما يقال أيضا أن قطر دعمت ثورات الربيع العربي.. والحقيقة أنها اختارت الانحياز للشعوب العربية.. اختارت الوقـوف مع الضــحايا، فــي وجــه جلاديهــم» (المري، سمعوني.. صوتكم).
الترحيب بالحوار ودراسة لائحة المطالب قبل معرفة المطالب ينم عن رُقي ذوقٍ وبُعد نظر.. الذوق نفسه والخطاب الراقي لا يَغيبان (في خطاب المري) عن أوراق الدفاع عن الأُمّ الدار الكبيرة مقارنة مع الفعل الذي ربما لو خانكَ التحكم في نفسك لخرج ردّ الفعل بشكل بَشِع بشاعة لا توصَف ولن يراعي الخُلُقَ ولا أساليب اللباقة والأدب. لكن مَن يَغرف من عيون الحكمة ويَعرف ألف ياء الأدب سيَزِن الأمورَ بميزان العقل:
«نؤكد ونجدد ونشدد على احترامنا البالغ للرموز والشعوب في دول المقاطعة.. ومهما وصلنا من إساءات أو بذاءات من وسائل إعلام أو جمهور موتور، أو حتى استفزاز سياسي، فإننا لن نرد بالمثل، وسنوضح إن لزم الأمر، في حدود الأدب والذوق والأخلاق الفطرية.. والقطرية». (بتشوف يا الجبير).
أوراق مسافِر، لِنُسَمِّها كتابةً بالقلب، ومِن الحُبّ ما يَستحق أن يُحَبّ ويُخلد.
أوراق مسافر في العشق هي كتابة بالقلب تَرسمها الكلمات في غير زمن الحُبّ..
لغة الإصرار
اَلْمَشْهَد الخليجي، التداعيات، التحديات، حصيلة التوقع، المآلات، الواقع والآفاق.. هذه وغيرها مَحاور تَفرض الوقوفَ عندها بقوة، لأنها تتزامن مع لحظة حاسمة من تاريخ الكيان الخليجي، الكيان الذي لا نَدري إن كان في القادم من أيام بارقة أَمَل تُبَشِّرُ بنجاحه في ضبط أنفاسه والحفاظ على تماسكه..
عن هذا الْمَشهَد، وتَبعات النزيف الداخلي في الخليج، ومستقبل «الجزيرة»، وخصوصية التجربة القطرية، وسوى ذاك، يَمضي الأستاذ محمد المري رئيس تحرير «الوطن» في توضيح الصورة على امتداد مقالاته الأخيرة التي تشكل مرآةً عاكسة للحدث كما يُشَخِّصُه هو الكاتبُ.. وهنا نَستأنف القراءةَ في بعض هذه المقالات.
أن تَكون كبيرا معناه أن تَكون كبيرا بأخلاقك، كبيرا بحكمتك، كبيرا بخبرتك، وكبيرا بذكائك بالنظر إلى مدى قدرتك على إيجاد الحلول الفورية للإشكاليات العالقة.. هذا ما لا يَحدث إلا عند «شعب قدوته قيادته، آمن بوطنه، فبادله حُبّا بحُبّ» (محمد المري، خطاب العز والخير).
على امتداد الأشهُر السابقة شهدنا جميعا مشهدا لم نتوقع أن يَحدثَ، إنه كابوس فظيع تَجَسَّدَ على أرض الواقع في صورة التسونامي الذي لا يَرحم ولا يَستثني كبيرا ولا صغيرا على حَبّات تُراب الخليج..
لكن في المقابِل ماذا تعلمنا مِن الواقعة؟! تعلمنا الدرسَ الذي لا يُنسى، وكأن الزمن يَقف عند اللحظة التي قال فيها الشاعر:
«بِذَا قَضَتِ الأَيَّامُ مَا بَيْنَ أَهْلِهَا
مَصائِب قَوْمٍ عِنْدَ قَومٍ فَوائد»..
والقصد أن نُثَمِّنَ مضمونَ الرسالة التي مَرَّرَها الشعب القطري أفرادا وجماعات إلى كبيرهم وحاميهم الذي أثبت للتاريخ، على حدّ تحليل محمد المري، نَجاحَه في إدارة الحوار مع أبناء شعبه منذ ما قبل الأزمة ليَحصد النتائج الْمُرْضِية طيلة أيام الأزمة الْمُضْنِية..
بِتَعبير يَتَصَبَّب شاعريةً يُؤَطِّرُ محمد المري لوحةَ التجربة القطرية، ويَعمد إلى الاتكاء على مُؤَثِّثَات طبيعية تَنعكس فيها التجربةُ انعكاسا مرآويا: «يقال إن الزهرةَ التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المليء بالغيوم، وهذا ما ينطبق على أهل قطر، فقد وقف المواطن والمقيم صفا واحدا، متكاتفين ومتآزرين مع الوطن، الذي نشر لهم الضياء وحقق معهم الرجاء» (المري، خطاب العز والخير).
بين القائد ورَعِيته تأسسَتْ علاقةُ حُبّ متُبادَل يُؤَسِّس للغنى الروحي والمادي والمستقبل والحرية، حُبّ يَبعث على الغبطة تقديرا لِعَطاء قائد مَضَى واثقَ الخطوات «مصحوبا بتوفيق الله، وحب والتفاف شعبه، وقوة ورسوخ حضور وطنه الذي يقوده بحكمة وحنكة» (المري، جولة صاحب السمو، رسائل ودلالات).
ذاك حُبّ يَرْقَى إلى أن يُخَلِّدَه الرائي بعين التأمل أسطورةً تُمَجِّدُ الالتحام بين الرعية والقائم على أمرها بكل مسؤولية.. هو حُبّ يَقوم على الإقناع من جهة الراعي (الشيخ تميم) قُبَالَةَ الرِّضَى التَّام من جهة الرَّعِية (الشعب)، وهو ما ثَمَّنَه الكاتبُ محمد المري حَقّ تثمين:
«هذا البلد، وشعب هذا البلد لن يكون إلا في صف قيادته، يبذل الغالي والنفيس، دفاعا عنها، ففي ذلك دفاع عن مستقبله ومكتسباته ومنجزاته التي ما كانت لتتحقق لولا أن قيّض الله لهذا البلد الحبيب قائدا استثنائيا صار رمزا للعزة والشرف، وصخرة للصمود» (المري، يوم مشهود).
إنها إرادة قائد شابّ، لِنُسَمِّه رَجُلَ المسؤولية الذي يُقَدِّس الحرية.. وفي المقابل لِنَقُلْ إنه تجاوُب رَعِية رَضعَتْ حليبَ الوطنية، فكان من الطبيعي أن تَثِقَ بالقيادة، وتُؤْمِنَ بالسيادة، وتَأْبَى الانقيادَ.. هذا باختصار محمول خِطاب محمد المري.
ماذا في وسعك ألا تَفهمه مِن تقدير المري لمنطق الراعي: «لم نفقد الأمل يوما، ولم ينل من عزيمتنا شيء، بل كل يوم نزداد قوة وتماسكا ونكتشف قدرات وطاقات جديدة وحلولا بديلة» (المري، خطاب العز والخير)؟!
القائد الشاب يُصَيِّرُه أبناء بلده مدرَسَةً، لماذا؟! لأنه لم يَستسلم لينظر إلى مَشهَد الحصار بذهول، إنما بَادَرَ بالبحث عن الحلول، الحلول الممكنة، متقدما على الحصار بأزمنة..:
«أكد سمو الأمير أن دول الحصار أخطأت في الاستهانة بقدرات القطريين في مواجهة الحصار، وأبدى افتخاره بشعبه، مبينا أن قطر صارت أقوى، وأن دولة قطر بعد الخامس من يونيو ليست قطر قبل هذا التاريخ مع اعتزازه بكل تاريخها. نعم صرنا أقوى وأكثر تكاتفا والتفافا حول أميرنا المفدى، وحول وطننا الحبيب، نفديه بالغالي والنفيس» (المري، قوة الحق).
لا شيء أكثر من الانتصار للوطن وراعيه، ولا شيء أقل من الإصرار على ترسيخ وتأكيد النموذج السيادي. قطر التي يُضرَب بها المثل في الناتج لا تختلف عنها سنغافورة، وهذا ما يَرُدّ به المري على كل من اعتبر صغر المساحة عيبا أو نقيصة مشيرا إلى «سنغافورة التي يقترن اسمها دوما بوصف «المعجزة»، فأنت بصدد دولة لا تتجاوز مساحتها الكلية 710 كيلومترات مربعة، لكن ناتجها القومي يتجاوز الـ 279 مليار دولار» (المري، جولة صاحب السمو، رسائل ودلالات).
الطريق إلى الدرجة
الصفر للإرهاب:
دروس في القضاء على ظاهرة الإرهاب يَستمدها الرائي رؤيةً معايِنَة مِن المؤسِّس. والسؤال: كيف يعقل أن يَرعى الإرهابَ مَن يُلقِّن الدروسَ في فن محاربة الإرهاب ويُصِرّ على قطع دابره؟! يُجيبك المري: «كان سموه، حفظه الله، من أوائل الداعين لمضاعفة الجهود من أجل محاربة هذه الظاهرة، أياً كان شكلها أو هدفها أو مصدرها، منبها إلى أنه لا يمكن مكافحة الإرهاب إلا من خلال بيئته الاجتماعية» (المري، عزم وثبات).
صحيح أن الكاتب يَعترف بأن «الإرهاب يَنتعش في ظروف اليأس وانسداد الأفق، وأنه لم ينشأ في منطقتنا في ظل سياسات تضمن للمواطنين العيش بكرامة وحرية» (المري، عزم وثبات)، لكن هذا ليس معناه أن مِن الحكمة أن يتملص مِن المسؤولية مَن هم في منأى عن أيّ بيئة هشة تشجع على أن يعشش فيها الإرهاب، لماذا؟! لأن إيقاف المدّ الإرهابي يتوقف على معالجة الجذور الاجتماعية لهذه الظاهرة المقيتة وفهم الظروف المساعدة على تسويق أيديولوجيات متطرفة» (المري، عزم وثبات).
أما البرنامج الذي يَستحق أن يُعَدَّ ويَتم العمل به، فهو يتجلى في الارتقاء بالتعليم في كل دولة و»مساعدة الشباب عبر التعليم، وتوفير فرص العمل، لإيمانها العميق بأن أي حل أو معالجة لقضايا العنف والإرهاب لابد وأن تنطلق من أسس ثابتة ومحددة» (المري، قوة الحق).
ومن أبرز الأمثلة التي يُثمن بها المري قوةَ الشراكة مع قطر للحد من زحف الإرهاب هو الموقف الفرنسي الداعي إلى رفع الحصار والمؤكِّد لِـ «تصميم فرنسا وقطر على محاربة الإرهاب ووضع آليات مشتركة على هذا الصعيد، وفي ذلك إشارة لها مغزاها تؤكد ما تقوم به قطر منذ سنوات من أجل مواجهة هذه الآفة التي يعاني منها المجتمع الدولي بأسره» (المري، عزم وثبات).
والسؤال الذي يُضمره المري بين السطور هو: بأيّ منطق نَفهم أن قطر قد تَخدم أي مؤسسة إرهابية أو سواها إذا كانت تَحرص «على رفاهية شعبها وتقدمه وتمكينه وتوفير كل فرص التعليم والتدريب التي يحتاجها، وحرصها على قضايا أمتها، عبر إيجاد حلول ناجعة لمشكلاتها تنطلق من مبدأ أساسي، هو تقديم العون دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة» (المري، قوة الحق)؟!
لا يُجيب المري في كل مرة، فهناك الكثير من الإجابات إيمانا بثقته بها يَترك التاريخَ لِيُجيبَ عنها بنفسه.
-/- شمس منتصف الليل.. الجزيرة:
ما معنى أن تُحاصَر «الجزيرة» إذا كان في رَفْضها في تَقدير المري «محاصرة الكلمة الحرة التي تمثلها وتعمل من أجلها وتقاتل لعلوها وتفقد خيرة رجالها في سبيلها.. فهي اختارت الإنسان محورا لاهتمامها، فحظيت بالتقدير لدى ملايين البشر في كل أنحاء العالم» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية)؟!
هل هو بُلبُل «الجزيرة» الذي يُغَرِّدُ تغريدات ضدّ تيار الإعلام المطلوب؟! أم أنهم هُم مَن دفعهم التغريد إلى حدود التهديد بقطع الأوتار الصوتية للبلبل خَوْفَ أن يَستبد بما يجتذبه إليه من متابعين لشدوه؟! أم أن الجزيرة نتاج الفكر العظيم الذي لا يَرضى بغير العظيم على اعتبار أن الجزيرة «واحدة من تلك الأفكار العظيمة التي أعادت كتابة التاريخ الإعلامي في المنطقة» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية)؟!
لِكل من تَصور أن في وسع أي قوة بشرية أن تُصيب الأوتار الصوتية لبلبل «الجزيرة» في مقتل يأتي رد الأمير تميم حازما على حَدّ تعبير المري: «الجزيرة لن تُغْلَقَ» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية)، بل يؤكد «سموه أن التاريخ سيسجل يوما خلال الخمسين أو الستين أو السبعين عاما المقبلة، كيف غيّرت الجزيرة مفهوم حرية التعبير في المنطقة» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية).
لكن السؤال الذي طرحه المري بطريقته مرارا ولن يقوى المتأمل على لجم لسانه هو ما يعبر عنه السياق التالي: لماذا قناة الجزيرة اليوم تتلقى كل هذا الهجوم الذي يُهدِّد بقاءَها؟! ولماذا في سالف الأيام لم تُوَجَّهْ إليها أصابع الاتهام؟! ولماذا كل هذا الإصرار على انتقاد الجزيرة وكأنها أَضَرَّتْ بمصالح دول الجوار، مع أن أسلوبَ الكشف والتعرية كان أكثر تركيزا على غيرها من الدول العربية التي لا تمتّ إلى الكيان الخليجي بِصِلة (بحكم استقرار الوضع في الخليج كما قلنا)؟!
لا محالة أننا سنتساءل بناء على شِدَّة تمسك المري بالقناة اقتداءً بالأمير: كيف لهم أن يُطفئوا عينَ الشمس، والشمسُ الجزيرة؟!
الجزيرة ظَلَّتْ على مدى أعوام شمسَ منتصف النهار التي لا تَسمح لشاردة بالفِرار بعيدا عن عين الرقيب الإعلامي، ولو اتحدوا واجتهدوا لحجب الشمس خَلْفَ سُورِ المغيب، فقد تُشرق الجزيرة لِتَكون شمسَ منتصف الليل، الليل الذي لن يَحجب عن عين الجزيرة شيئا يذكر، لماذا؟! لأنها التمَسَتْ طريقَها إلى الحياة «ناضجة قوية ومستعدة للتحديات والأزمات» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية).
هل أصبحت مرفوضة لأنها أكثر قدرة على الإقناع؟! أم لأنها أقوى حضورا؟! أم لأنها «وُلِدَتْ بأسنانها وظهرت أظافرها مع الساعات الأولى لبثها» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية)، أم لأنها.. ولأنها.. ولأنها..؟!
في مقاله الأخير عن «الجزيرة» يَرصد محمد المري 21 سنة من صِناعة النجومية، 21 سنة من كتابة الحقيقة بمداد الخبرة على جدار التاريخ، 21 سنة من التألق بعيدا عن سياسة التملق، 21 سنة من الشموخ دون ركوع ومن النجاح دون خضوع..
وبِثِقَة مَن لا تَخونه الثقةُ يُثبتُ المري للحقيقة والتاريخ كيف أن الجزيرة رغم كل المضايقات مازالت تُواصل تَمرير الرسائل التي تَحمل من المصداقية ما يُنْصِفُ المغامرةَ الإعلامية التي كانت بالأمس حُلما، وتحولت إلى حقيقة ثابتة لا يُنكر أحد فضلَها على مستوى النهوض بالإعلام العربي، وتغيير مجراه، والعمل الجاد على اتخاذ الجزيرة قدوة في مجال التناول، والتحليل، والمناقشة، إيمانا بعدم سكوتها عن «حق كل مواطن عربي في معرفة الحقيقة والوقوف على كل تفصيلاتها دون تشويش أو رتوش» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية).
هذا ما لا يقوى عليه غير الجزيرة في يقين المري، ويَكفي التاريخَ وصُنَّاعَه أنها افتتحت مكتبا لها في البنتاغون مؤخرا دليلا على «قناعة وزارة الدفاع الأميركية بأن هذه المحطة تتمتع بمهنية عالية، وتتبع خطا محايدا ورصينا، ولم يكن هذا الاعتراف الأميركي الأول بحرفيتها، إذ حظيت هذه الشبكة بالكثير من الإشادات، ولم تَعُد تُقارَن بالمحطات العربية، وإنما بالمحطات الأميركية والعالمية ذات الوزن الثقيل والشهرة الدولية والشعبية الجماهيرية» (المري، الجزيرة.. للقصة بقية).
النزيف الداخلي في الخليج:
سؤال يُؤججه واقع الحال: هل تنشغل السعودية عن محاصرة قطر بمطاردة الهِرّ الإيراني الذي يحاول إحكام قبضته على لبنان؟! أم هي مناسبة من حيث لا يدرون لتصفية النفوس وجبر الخواطر بين الإخوة المتحدين ضد بعضهم، مناسبة لرأب الصدع درءا للمزيد من النزيف الداخلي الذي يُنذر بهدم صرح مجلس التعاون الخليجي واتِّقاءً لإلقاء عود ثقاب مشتعل في بِركة بنزين تُهَدِّد بحرق غابة النخيل؟!..
لا يختلف اثنان حول ما أكده المري في أكثر من مناسبة وسياق، ومَفَاده أن الخليج وطن واحد، وعلى كل خليجي أن يكون مواطنا صالحا ينأى بتفكيره عن حدود المصالح الشخصية ليفكر في البحث عن حلول جدية لإعلاء لواء واحد يشمل تلك الربوع دون استثناء.. لواء الخليج الذي صمد على مرّ الزمن وتاريخ الأزمات كالصخرة التي ترفض التنازل عن الحياة..
حَبَّات التراب التي تتلاعب بها الرياح هي كل ما يتبقى من تاريخ صخرة صلبة فقدت تماسكها.. وكما يَعرف العالَم، فالخليج مُعادِل للصخرة التي أثبتت بشهادات التاريخ أن رِجالَ الخليج صمدوا صُمودَ الصخر الذي لا ينكسر ولا تهزه عاصفة بفضل إيمانه بقوة العاطفة..
العاطفة هي التي جعلت أعضاء الجسد الخليجي تتضامن، فإذا اشتكى عضو يتحقق أن يتداعى له سائر الجسد بالسهر حرصا على السلامة..
وهنا يُمَرِّرُ المري رسالة على شكل سؤال نُقَدِّرُه كالآتي: هل مِن البطولة تواطؤ الأغلبية ضد الأقلية أو أكثر من واحد ضدّ واحد؟! ومتى كان هذا من مقاصد ومرامي وغايات بُناة الصرح الخليجي وحُماة مجده؟!
إذا غابت الحكمة تَداعت الركائز وخارت الدعائم. لذلك من عيون الحكمة أن تَتظافر جهود أهل الحكمة لِتَرْشِيد القرار قبل أن يحكم على الخليج بالدمار.. وهنا كل يُساهم بحصته كما يُنتظر مِن أهل الحكمة وصولا إلى سُفراء السلام والنوايا الحسنة من رجال الفن إلى رجال الثقافة..
إنها لحظة مفصلية من تاريخ الخليج. هكذا يَطيب للمُتابِع أن يَقول اقتباسا من التصريح التاريخي للأمير الوالد يومَ قال في سياق آخَر: «إنه يوم من أيام العرب».
طريق اللارجعة:
من أهم الخطوات التي قطعها القطريون على طريق التغلب على الحصار يَذكر المري: «الإعلان عن زيادة إنتاج الغاز بنسبة ثلاثين في المائة، واستطعنا عبر منظمة «إيكاو» إجبار دول الحصار على فتح ممرات طوارئ، وواصلت الخطوط القطرية منجزاتها وحققت المزيد من الألقاب كأفضل شركة طيران وتم انتخاب رئيسها التنفيذي السيد أكبر الباكر رئيسا لمنظمة «أياتا»، وأوصلنا قضية الحصار إلى منظمة التجارة العالمية، وتحركنا قانونيا على أكثر من صعيد لدى المنظمات الأممية» (المري، الانتصار على الحصار).
لكن السؤال القائم: هل العناد وتَأَخُّر الحَلّ والتسوية سَيَقودان السفينة الخليجية إلى الهاوية؟!
وإليك ذَيْل الأسئلة الموالية:
هل تكون العصا السحرية في يد ترامب الذي مَهَّد بزيارة سابقة لتفتيت الخليج؟!
ما مصلحة أميركا في رفع الحصار إذا كانت تُمثل المستفيد رقم «1» من أن تَبيع للخليج أسلحة الدمار؟!
وأيّ مستقبل سيَكون لتجارة السلاح إن لم يَعمد أربابه وصُنَّاعه إلى إشعال فتيل الغضب هنا وهناك ليزداد الطلب والإقبال على شراء مُحَرِّكات الطريق إلى الهلاك؟!
ألا نرى بوضوح أن خطوةَ راعي أميركا إلى الخليج لم تَكُنْ مُبارَكة لِتَعقبها أزمة مُحتدِمة قد تَجعل الخليجَ في مرمى النيران التي مِن الطبيعي أن يُغَذّيها وقود أميركي؟!
في ظِلّ الإكراهات التي تَتَهدَّد مستقبل المنطقة العربية كيف يمكن للعاقل أن يَستشرفَ اليقين ليُخمد ثورةَ التخمين؟!..
إذا كان المنطق يُحَتِّم أن يُسْفِرَ قانون اللعبة عن رابح وخاسر، فإن الحروب الباردة بما فيها حرب الأعصاب ستَكْسِر نافذة المنطق لِتُفْضي إلى حقيقة مفادها أن لعبة الحرب (عبثا باستقرار الخليج) كل الأطراف فيها خاسرة ولا وجود لرابح..
واقع الحال قد يفتح المجال للمزيد من الشيطنة التي يَستفيد منها الدُّخلاء مَن لهم اليَد الطُّولى في تحريك مياه الأزمة لصالحهم..
مَن له المصلحة الأولى في إرضاء المحاصِر والمحاصَر رغبةً في تمديد الوقت حتى يحصد ثمار الخسارة؟!
إذا كان القائم على أمر أميركا يَستبعد التدخل العسكري كما يَظهر من قراءة المري في خطاب الأمير، فهل معنى هذا أن أيّ محاوَلة تَدَخُّل عسكري مِن دول الحصار ستَستدعي المواجهةَ الأميركية لتتحول الأرضُ الآمنة إلى ساحةِ معركةٍ تُؤَكِّد أن التاريخَ يُعيد نَفْسَه؟!
فَشَل الوساطة في إعادة المياه إلى مجاريها هل هو إعلان ولادة لحظة تاريخية حاسمة لم تَكُنْ في أُفُق توقعات بلدان الخليج بشكل عام وقطر بشكل خاص؟!
الدرس مما يَحدث من وقائع عربية على امتداد التاريخ هو: إلى متى تَستمر سياسة الغباء في التفكير العربي الذي عِوَض أن يُقوِّم مسار الفاشِل لِيَنجح نَراه يَنْأَى بحساباته عن ذلك لِيُخَطِّط لدفع الناجح إلى السقوط من أعلى السلم؟!
السلام يبدأ بابتسامة:
الابتسامة هي ذلك العطاء الذي لا يموت.. هي لغة القلوب.. من القلب إلى القلب، الابتسامة عربون الحُبّ.. الابتسامة تَفتح لك القلوب وتَقتل عدوك ببطء.. الابتسامة الصادقة لا تحتاج إلى مناسبة تَصْنَعُها.. بالابتسامة تَزرع الإعجاب في القلوب وتَحصد الحُبّ..
بالابتسامة تُجسِّد معاني الرضى، فلا مجال للتعبير بها عن السخط.. الابتسامة تَزرع الارتياح في وجدان المخاطَب وتُصَيِّرُ الوجهَ وضَّاءً يَتَلَأْلَأ.. الابتسامة أجمل بِقَدْر ما تأتي عفويةً..
الابتسامة تُشرق كالشمس لِتُضيء الملأ.. والشعاع سلام..
السلام يبدأ بابتسامة.. هكذا قالَت الأم تيريزا.
الابتسامة دال يحمل معاني الطمأنينة والسلام، فالمبتسِم يُعلن التوازنَ الداخلي والمصالَحةَ مع النفس، ويَجعل الآخرين لا يترددون في الإقبال عليه والمثول بين يديه.
الابتسامة مقدمة للسلام الغائب، وأول خطوة على طريق الحوار الْمُؤَجَّل..
جَرِّبْ أن تَفتح نافذةً لأبنائك بابتسامة تَكونُ رسولَ الحُبّ إلى قلوبهم..
بابتسامة مَن لا تَنقصه الثقة بشعبه وباللحظة التاريخية التي يَعبرها بلدُه يَستقبلك حامي قطر الذي يُنَوِّه المري في أكثر من مناسبة بأنه قَدَّرَ المسؤولية وأَنْصَفَ الرعية، فلا غرابة أن يُنْصِفَه التاريخ ويَنحني له التاريخ لما نَصبَ عند بابه خيمةَ الحصار حتى يُعْرَفَ الكبار..
الكبار ليسوا بالطول ولا بالعرض، ولا بعدد أمتار الأرض، ولا بذيل السنوات الذي يجره الواحد منهم.. الكبار بعقولهم ومصابيح حكمتهم ومواقفهم التاريخية.. الكبار بأَمَل أبنائهم فيهم..
ابتسامة التفاؤل عاكسة لمحمول دلالي يَقول: «أبشروا بالعز والخير»، لن تَقْرَأَ شيئا آخَر في النسق المرئي..
يُوجِزُ المري في كلمات قليلة العبرةَ من درس الحصار: «تفتحت فيه عيوننا على حقائق تجاهلناها طويلا وأصبحت اليوم محل الاهتمام والدعم اقتصاديا وصناعيا وزراعيا مما سينعكس إيجابيا على البلاد ومستقبل الأجيال» (المري، الانتصار على الحصار).
لكن تحدي الحصار لا يعني رَفْضَ فَتْح الباب للحوار، لذلك يَنقل لنا المري استعدادَ قطر للحوار تماشيا مع رؤية راعيها القائل: «سأتقدم عشرة آلاف ميل نحو المصالحة إن تقدم الأشقاء مترا واحدا» (المري، قوة الحق).
إنه تواضع الخبير بمنطق الحكمة الذي لا يُفكر بأنانية، وفي كل الأحوال يُثَمِّن جُهودَ المؤسسين الأوائل الذين جعلوا منطقةَ الخليج متماسكة تُقاوِم العواصف ولا تَنحني، لأن أول ما يتعلمه الخليجي هو حرصه على أن يَظَلَّ شامخا كالنخلة..
هذا جانب مُشَرِّف من تاريخ الكبار، الكبار بمنطق قيادة الفعل وقيادة الكلمة، وبوقع الكلمة، الكلمة الْمُلَبِّية لاحتياجات القراءة النَّهِمَة..
آخِر مقالات رئيس التحرير كتابة تَنتصر لِحَقّ التاريخ في شهادة الْحَقّ وتَحمل مقصديةَ قراءة الواقع بعين النقد التحليلي.. إنها كتابة بلغة الإصرار الذي لا يُوازيه إلا إصرار صُناَّع القرار باعتباره فنّا يُنْتَظَرُ اتخاذه تماشيا مع كل ما يَخدم الوطنية وقيمَ الحرية ويؤكد حجمَ المسؤولية التي لا يَتملص منها قائد ولا شعب.
بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
16/01/2018
4707