+ A
A -
يُحكى أن الأمير بشير الشهابي قال لخادمه يوماً: أشتهي أن آكل الباذنجان!
فقال الخادم: بارك الله لك في الباذنجان يا مولاي، هو سيد المأكولات، لحم بلا شحم، وسمك بلا حسك، يُؤكل مقلياً، ويُؤكل مشوياً، وأنا على أمر الأمير!
فقال الأمير: ولكني أكلتُ منه قبل أيام فأوجعتني معدتي منه
فقال الخادم: لعنة الله على الباذنجان، ثقيل غليظ نفَّاخ!
فقال الأمير: ويحك، تمدح الشيء وتذمه في وقت واحد!
فقال الخادم: أنا خادم الأمير لا خادم الباذنجان، إذا قال الأمير نعم قلتُ نعم، وإذا قال الأمير لا، قلتُ لا!
وفي سياقٍ متصل، رمى الخليفة العباسي المتوكل عصفوراً بسهمٍ فلم يصبه، فقال له أحد مرافقيه: أحسنتَ يا أمير المؤمنين، فنظر إليه المتوكل شزراً
فقال له على الفور: أحسنتَ إلى العصفور يا مولاي!
وليس بعيداً عما سبق، وقف عبدالناصر خطيباً في مجلس الشعب أثناء الخلاف الذي نشب بين مصر وسوريا، وقال لقد أمرتُ الأسطول المصري أن يتحرك إلى هناك! فقاطعه النواب بالتصفيق الحار، ولما انتهى التصفيق قال: ولكني أمرتُ الأسطول بالعودة حفاظاً على الوحدة العربية! فعاد التصفيق أكثر منه حرارة! هذه هي ثقافة الباذنجان أن يتم التصفيق للفعل وضده في دقيقة واحدة!
أنا - وأعوذ بالله منها- مع الأدب في كل خطابٍ ومخاطب، وإذ أسرد هذه القصص فلا لأنتقد الأدب مع الحُكام ولكن لأنتقد التزلف، الأصل في بطانة الحاكم أن تطرح عليه الآراء إذا ما احتاج، وتصدق معه في المشورة إذا ما استشار، وليست لتُسمِعه أنه الملهم الذي لا يخطئ، والفذ الذي ليس له من الرأي إلا ما يصيب!
إن صورة «الحاكم المُؤلَّه» في بلادنا تتحمل جزءاً كبيراً منها البطانة المتزلفة، هؤلاء الباذنجانيون الذين لا يعرفون إلا التطبيل! فيغشون الحاكم قبل أن يغشوا الرعية، كثير من القرارات الخاطئة التي دفعنا ثمنها ومازلنا ما كانت لتكون لو وجد الحاكم من يأخذ على يده، ويحاوره بأدب، ويدله على الصواب برقي أسلوب، وهذا هو الغرض الذي لأجله كانت مجالس النواب والشورى، ولكنهم للأسف لا ينظرون إلى الأمور إلا من منظور مصلحتهم الشخصية، وليتهم يتعاملون مع الأمور على مبدأ اسكت تسلم، ولكنهم يتعاملون معها على مبدأ طبِّل تغنم!
الباذنجاني خبير الاقتصاد يستميتُ لتبرير ضريبة يعرف في قرارة نفسه أنها جائرة، وأن مشكلتنا ليست في قلة الموارد ولكن في سوء الإدارة، ولكنه يقنعك أن الشعب ليس شريكاً في الغُنم وإنما في الغُرم فقط!
والباذنجاني المفتي والفقيه والمجتهد يلوي عنق مائة نص ليخبرك أن قرار الحاكم هو الشريعة بعينها، وهو يعرف في قرارة نفسه أنه كذاب أشر ولكنها ثقافة الباذنجان!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
17/01/2018
8050