+ A
A -
روى ابن الجوزيّ أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب وقال له: يا أمير المؤمنين إني أُريد أن أطلق زوجتي
فقال له عمر: ولِمَ؟
فقال: لأني لا أحبها
فقال له عمر: أوكلُّ البيوت بُنيتْ على الحُبِّ فأين المروءة والذّمة؟!
وقد قرأتُ في غير كتاب وأنا أقرأ قبل الشروع بكتابة روايتي «عندما التقيتُ عمر بن الخطاب» أن رجلاً استحلفَ زوجته قائلا ً: سألتكِ بالله أتحبينني؟
فقالت: أما وقد استحلفتني فإني لا أحبك
فجاء إلى عمر بن الخطاب شاكياً، فأرسل في طلب زوجته، فجاءت، فقال لها: أنتِ التي تُحدثين زوجكِ أنكِ تُبغضينه؟
فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد استحلفني، أفأكذبُ؟!
فقال لها: نعم اكذبي، فإن كانت إحداكن لا تحب زوجها فلا تحدثه بذلك، فإنَّ أقل البيوت التي تُبنى على الحُب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام وبالإحسان!
هاتان القصتان لا يُستشهد بهما في سياق التقليل من أهمية الحُبِّ بين الزوجين، أساساً هذا السياق يجب أن لا يكون أبداً، فلا ينكر عاقل أنّ الحُبّ أوثق رابط بين اثنين قررا أن يمشيا رحلة العمر معاً، وإنما يُستشهد بهما إذا وقع الفأس في الرأس وتنادى الناس إلى الفراق لأنه لا حُب!
ليس بالحُبِّ فقط تقوم البيوت وتستمر الزيجات، ولو أن كل زوج أراد طلاق زوجته لأنه لم يجد في قلبه تجاه زوجته ما كان يجد قيس بن الملوح تجاه ليلى العامرية، لم يبقَ في قرية بيوت قائمة أكثر مما يوجد من أصابع في اليد الواحدة! ولو أنّ كل زوجة أرادت فراق زوجها لأنها لم تجد في قلبها تجاهه ما كانت تجد عزَّة تجاه كُثيِّر لم يبقَ في مدينة بيوت قائمة أكثر من عدد اللاعبين في مباراة لكرة القدم! ولكن البيوت قائمة والحياة مستمرة، لأن ثمة أشياء كثيرة غير القلوب يجب أن تبقى البيوت قائمة لأجلها!
لم يكن عبثاً أن يبيح الإسلام أن يكذب كل من الزوجين على الآخر في تلك الأمور التي تتعلق بحفظ الود، وتطييب الخواطر! فهذا الإسلام العظيم يعرف أن إخبار الزوج لزوجته أنها ليست جميلة فجاجة وليست صدقاً وإن كان ما يقوله حقاً، ويعرف أن مقارنة الزوجة زوجها مع الآخرين للتقليل من شأنه سوء خلق وليست تقوى وإن كان ما تقوله حقاً!
إذا تتوج الزواج بالحُبِّ فبه ونِعمَ! وإن غاب العشق والهيام فليس بالضرورة أن يغيب الاحترام، وتنعدم الأخلاق، وتدور في البيت رحى حرب! الحياة ليست مسلسلاً تركياً تُضاء فيه الشموع كل ليلة، وليست رواية غرامية إن لم يُجن العشاق ببعضهما ستصبح رتيبة ومملة! الحياة هي الحياة، واقعية تشبه السياسة حيث هي فنّ الممكن! ثم لا أعتقد أن أحداً منكم لا يعرف قصة زواج بدأت كقصة مصغرة عن روميو وجولييت ثم انتهت بفاجعة كداحس والغبراء! هذا لأنه ليس بالحب فقط تقوم البيوت!
خلاصة القول:
لا أجمل من بيت كان الحُب سقفه، والعشق جدرانه، والمودة أثاثه، فإن الحُب من أجمل الرزق، وها هو سيد الرجال يقول عن أمنا خديجة «تلك امرأة رُزقت حبها»! وذكر الحُب رغم أنها كانت من أثرى نساء قريش! ولكن في المقابل غياب الحُب لا يبرر غياب الاحترام، وفقر المودة لا يعني أن الحياة انتهت، ثمة طرق في الحياة تختارنا ولا نختارها، وعلينا أن نمشيها حتى آخرها بغض النظر عن الحفر والعثرات والمطبات، فأحيانا التعايش مع مشكلة ما هو الحل الوحيد لها!

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
25/01/2018
12195