+ A
A -

صدام الخيارات
عادة ما يُثار خلاف بين أبنائي حول من يجلس بجانبي في المقعد الأمامي حال قيادتي للسيارة، على أني أصر على جلوسهم جميعًا في المقاعد الخلفية درءًا للمخالفات الباهظة.. ثم تنشب معركة أخرى حول من يجلس بجانب النافذة ومن يُحشر في الوسط وعبثًا أحاول فض النزاع كون الأمر لا يحتمل حرباً عالمية أهلية لرفضهم الجلوس بالمقعد الخلفي.
ولقد هالني أن إحدى ابنتيّ دفعت لأختها عشرة ريالات كي تترك لها المقعد بجوار النافذة.
فتباغتني صغيرتي بالسؤال التالي: لو خُيرت أنت أمي بين جلسة مجانية بزاوية المقهى أم بسواها مدفوعة الثمن لكن بجانب النافذة المطلة على منظر الخليج الخلاب.. أيهما تختارين؟
فأجبت: لو توفر النقد لاخترت دفع ثمن جلسة النافذة كونها ملهمة، بل لاخترتها دون مبرر، بل لو خُيرت بين تلقي تحية «صباح الخير» مجانية، حافية الود وبين التحيات المغلفة بابتسامة والمدفوعة الثمن، لغرمت بسبب ولعي بالخيارات المغلفة بالقيمة.
فأجابت: إذن ما دمت أنت معنية بالأمر فلقد تحول خيار الشرفة والجلوس بجانب النافذة لأمر يحتمل النزاع، بل أهل لأن ينفق من أجله النقد.. أما حينما نتصارع نحن- عيالك- للحصول على خياراتنا التي لا تعنيك، فنُتهم بالهيافة وإثارة النزاعات غير المبررة!
ولقد أثارت تساؤلاتها في نفسي الكثير، فكم تضعنا خياراتنا في مواجهة مع قناعتنا ولكم تتصادم خياراتنا مع قدارتنا.
فتاريخ البشر شاهد على أنه حينما يُخير الآباء بين غريزة الأبوة والأمومة وبين «الجرسة والفضيحة»، فالأكثرية تنحاز للتضحية بالجنين أو الوليد. وعتبات المساجد والكنائس ودور الأيتام بل وحاويات القمامة خير شهود على ذلك.
- حينما يُخير الإنسان بين معتقداته ومصلحته، فالواقع يشهد على أن المصلحة هي أكثر ما تم اختياره.
فالبشر أسلافهم وأحفادهم على استعداد للتضحية بالأضاحي، على أن الواقع المعاش يثبت أن معظمهم يرفضون عملياً تقسيم التركات وفقاً لشريعة تسمح بأن ينعم بثمار شقاء العمر، زوج ابنة، كنة أو حتى أخ في حال وجود ابنة.
كما يثبت الواقع ذاته أن بني البشر يبحثون في هذه الأحوال عن مخرج أو مناص، ما سمح للكثيرين بتبني شرعة-من عندياتهم- في ما يختص بالمواريث، فيبترون حقوق الرجال في إرث المصاغ، كما يحرمون الإناث من إرث العقار والفدن. على أنهم حريصون على العطس على السُنّة.. ما ينهض دليلاً على أن الخيارات المادية حين تصادمت مع نظيرتها الدينية، كان البقاء للمادة.
- سألتها المذيعة عن سبب انفصالها، فاستفاضت في وصف غدر زوجها وخيانته لها كونه تزوج عليها، ثم سألتها: أتوافقين أن تكوني زوجة ثانية، فأجابت: بنعم.
فأعادت المذيعة السؤال: أوتوافقين أن يتزوج عليك بالثالثة، فانتفضت رافضة كون كرامتها لا تسمح لها بهكذا خيار، ما يدل على أنها لا ترفض تعدد الزوجات كمبدأ، لكن وفق لخيار لا يتصادم مع مصلحتها. فهي تنتشي بخيار يتيح لها أن تكون قاهرة لا مقهورة، سالبة لا مسلوبة، محظية ولا يَحظى أحد بمثل حظوتها. وهذا من أحط أنواع صدام الخيارات.
- لو واجه موظف رشوة تقدر بخمسين ألفاً، فقد يجرؤ على انتقاء خيار الرفض، لكنه قد يرضخ لخيار الرشوة لو قفز العرض لخمسين مليوناً.
- أما المؤمن الحق فقادر على التصادم القاطع مع أي خيار مهما كان إغراؤه كونه واعياً لضرورة ألا ينصاع لأسفل الدركات الأخلاقية. لذا، فهو يمعن على ثني عنان شهوة المال، فلن تغريه خيارات ولو طالت الخمسين ملياراً إلا أنها لن تنطال على نفسه مهما وسوست له بأخذها ثم التبرع بها لسداد ديون العالم الإسلامي قاطبة.
- أحسب أن الوعي بالذات مع الاستعانة بالله ضمينتان للصمود حال صدام الخيارات مع القناعات.
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
27/01/2018
3339