+ A
A -
في تحوّل مشهود عقدت حركة النهضة التونسية المحسوبة على ما يصطلح عليه «الإسلام السياسي» مؤتمرها العاشر في تونس بحضور إعلامي ودبلوماسي كبير. لكن الأهم من كل ذلك هو إعلان الحركة عن توجهها الجديد الذي يتميز كما عبّر عنه الناطقون باسمها «بفصل السياسيّ عن الدعويّ وتحوّل الحركة إلى حزب مدني حداثي مثل بقية الأحزاب المدنية الأخرى في تونس». ردود الأفعال لم تتأخر في الداخل والخارج حيث اعتبره كثيرون منعرجاً حاسماً في تاريخ الحركة وفي تاريخ الأحزاب الإسلامية العربية بشكل عام خاصة أن التحول المعلن في اتجاه الحركة يأتي في ظل مخاض كبير تعرفه المنطقة عامة والأحزاب الإسلامية منها بشكل خاص في إثر الربيع العربي وما أحدثته ثوراته من تغيرات كبيرة.
من وجهة نظر حزبية وبراغماتية بحتة يمكن اعتبار ما حققته حركة النهضة في تونس نجاحاً كبيراً وباهراً مقارنة بالفشل الذريع الذي منيت به غيرها من الأحزاب الإسلامية بعد فوزها في الانتخابات التي أجريت مثلما هو حال حركة الاخوان المسلمين في مصر. فقد حافظت الحركة على موقعها في المشهد السياسي التونسي رغم كل المخططات التي كانت تستهدفها من طرف الدولة العميقة في الداخل ووكلائها في الخارج. لكن من وجهة نظر ثورية فإن التيار الثوري حتى داخل الفصيل الإسلامي يعتبر الحركة قد خانت شعارات الثورة ومبادئها بل وخانت حتى تاريخها وقواعدها وأسسها العقائدية وتحولت إلى حزب علماني لا يختلف عن بقية الأحزاب العلمانية الأخرى التي تسعى إلى السلطة.
من الصعب فعلا الحكم اليوم على هذا التحول المعلن من قادة الحركة عن التمشي الجديد لأنّ الظرفية المحلية والإقليمية والدولية التي حدث فيها تتميز بضغط شديد على كل ما له صلة أو علاقة بالدين والعقيدة في المشهد السياسي العربي. لكن الثابت الأكيد هو أن حركة النهضة التونسية عاجزة اليوم أن تتحكم في المشهد السياسي والأمني التونسي في ظل الخراب الذي تركه النظام الاستبدادي بعد رحيل بن علي والعودة القوية والمتوحشة لدولة العمق إلى مؤسسات الدولة. وهو ظرف يفسر إلى حد كبير التنازلات المذلة التي عبرت عنها الحركة سواء عبر تمرير كل القوانين ومشاريع القوانين المعادية للثورة وشعاراتها أو عبر رفض القوانين الثورية وعلى رأسها محاسبة الفاسدين ومحاكمة العصابات التي دمرت الاقتصاد والدولة والمجتمع منذ عقود.
هذا التنازل الكبير عن شعارات الثورة التونسية ومن المبادئ التي تصدرت أدبيات الحركة وشعاراتها طوال عقود يهدد على المدى المتوسط والبعيد باستنزاف قواعد الحركة الإسلامية ويفتح المجال أمام الحركات الأكثر يمينية في التعبير عن التوجه الإسلامي في الممارسة السياسية. التجربة إذن لا تزال في بدايتها وهي تنبني أساسا على مبدأ التجربة والخطأ ولا تخضع للاستقراء العلمي في الظرفية الحالية وسيكون مستقبل الحياة السياسية التونسية والعربية هو الوحيد القادر على الحكم عن صحة هذا الخيار: هل كان نعمة على الحركة وعلى البلاد أم كان نقمة عليهما.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
26/05/2016
2646