+ A
A -
في التاسعة صباحا يوم الجمعة31 أكتوبر 2011 رحل أنيس منصور، وفي هذا التوقيت كان يعكف في مكتبه ليكتب، كان قد بلغ من العمر 87 عاما، وقضى أيامه الأخيرة يصارع المرض، وكان دائما معه أقرب صديق إليه هو اللواء الدكتور محمد فريد حجاج شقيق زوجته، وأقرب تلميذ إليه هو الدكتور مجدي العفيفي، وكان مجدي العفيفي يلازمه في كل أوقاته ويسجل ويدون ما يقوله أنيس منصور، وبعد رحيله جمع ما كتبه في كتاب من 533 صفحة سجل فيه خواطر وأفكار وحكايات أنيس منصور من السياسة إلى الحياة الاجتماعية وذكرياته ومشاهداته في أنحاء العالم إلى حياته الممتدة في الصحافة والأدب والفلسفة.
وكان أنيس منصور حين يحكي- وما أكثر حكاياته وأسراره- كان يستولي على السامعين ويجذبهم بأسلوبه الرشيق في الحديث مثلما كان أسلوبه الرشيد في الكتابة.
وكان آخر سؤال سأله مجدي العفيفي لأنيس منصور في أيامه الأخيرة جدا: ماذا تقول لربك غدا عندما تلقاه؟ فكانت إجابته: سأقول له.. أنت الله لا شريك لك.. ما أعظمك، وظل يبكي ثم قال: يارب..أنا تعبت، وجلالك وعظمتك وحكمتك تعبت.. فأنا ضعيف وطاقتي محدودة وأحلامي وأوهامي أكبر من قدرتي.. أريد أن أطير، ولكن ريشي قصير ولا حيلة لي..
وكان الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل مهتما بمصادر فكر أنيس منصور خاصة وأنه كان يجيد سبع لغات يقرأ بها ويتابع تيارات الفكر العالمي، ويقول مجدي العفيفي إنه كان يجد أمام أنيس منصور دوريات علمية أجنبية ودراسات فكرية حديثة، ومراجع فلسفية ودينية، حتى في أيام مرضه كانت الكتب تحيط بفراشه بلغات مختلفة، كما كان يشاهد الكثير من الفضائيات لاسيما العلمية والتاريخية. ولذلك فإنك حين تقرأ لأنيس منصور فأنت تقرأ مئات من الكتب في الفكر والفلسفة والأدب والدين والفن والفلك. ولهذا تجد في كتاباته أنه يمتعك ويؤنسك ويأخذك إلى بلاد وإلى آفاق كثيرة، ويحكي لك عن مئات من الشخصيات التي عرفها وحاورها.
سأله مجدي العفيفي: هل عرفت من أنت؟ فأجابه أنيس منصور: آه لو كنت أعرف ما يدور في عقلي وفي قلبي، فأنا كثيرا ما «اتلخبط» في مشاعري» وقد قلت الحقيقة إلا قليلا، والحقيقة هي ما أبحث عنها وقلت ما أعرفه عنها في 200 كتاب. وما كان يؤرقه من سيحافظ على هذه الثروة المتمثلة في مؤلفاته ومكتبته التي تضم 50 ألف كتاب، وليس له أبناء، وكان يقول عن نفسه إنه يشبه النحلة التي تمتص رحيق الأزهار وتعكف على بناء الخلية وإفراز العسل، ومع ذلك قال في أيامه الأخيرة: عندي إحساس دائم بأنني لم أقل بالضبط ما أريد، ولكنني أحاول ثم أكرر المحاولة، وأشعر بأنني لم أقل بما فيه الكفاية، وأنني دائما في مفترق الطرق. وأنا مثل كل إنسان في صراع دائم بين ما أريد وما أستطيع، وقد علمني حب السفر متعة التنقل والتغيير، وأنا أتنقل أيضا بين الكتب، من كتاب لآخر، وأتنقل من مفكر إلى أديب إلى موسيقار إلى عالم، فأنا على سفر دائم في البلد وفي الكتب، وأنا لا أستطيع العيش بدون قراءة الكتب، والكتب التي وجدتها في بيتنا كانت دينية، وفي طفولتي حفظت القرآن.
وكان آخر ما قرأه أنيس منصور هو القرآن، وكان قد اكتفى به عن بقية الكتب الكثيرة في فراشه.
بقلم : رجب البنا
copy short url   نسخ
03/02/2018
4186