+ A
A -
تعاني باكستان منذ عقود من التفجيرات الانتحارية التي تستهدف البنى التحتية والمواطنين الأبرياء والمسؤولين وزعماء الأقليات الدينية ودور عبادتهم. في الوقت ذاته فإن باكستان نفسها متهمة من قبل كابول وواشنطن بتمويل وإدارة مسلسلات التفجير والعنف في أفغانستان.
وإزاء هذه التحديات الأمنية وما يوازيها من تحديات اقتصادية خانقة وتحديات سياسية ضاغطة تفتق ذهن المسؤولين الباكستانيين عن حل يتمثل في التوصل إلى تفاهمات مع حكومة كابول لإقناع أكبر عدد ممكن من قيادات البلدين الدينية بإصدار فتوى ضد التفجيرات الانتحارية تغطي باكستان وأفغانستان معا. ولهذا الغرض عُــقد اجتماع في أكتوبر 2017 بين الرئيس الأفغاني «أشرف غني» وقائد الجيش الباكستاني «قمر جاويد باجوا» تم الاتفاق فيه على أن يقوم كل جانب بمطالبة قياداته الدينية بالإعلان عن أن التفجيرات الانتحارية حرام شرعا.
لكن سرعان ما دب خلاف بين البلدين! صحيح أن إسلام آباد نجحت مؤخرا في إقناع نحو 1800 رجل دين باكستاني بإصدار الفتوى المطلوبة، بل وأطلقتها من خلال كتاب تم تدشينه في احتفالية بحضور رئيس الجمهورية «ممنون حسين» الذي قال:«بوسعنا الاسترشاد بهذه الفتوى للتوصل إلى خطاب وطني يكبح جماح التشدد بما يتماشى مع تعاليم الإسلام السمحة».
لكن كابول شككت في جدوى الفتوى الباكستانية، لأنها تطرقت إلى تحريم التفجيرات الانتحارية بصفة عامة ولم تشر إلى تلك التي تحدث في أفغانستان تحديدا.
غير أن السؤال الذي يبقى مطروحا هو هل مجرد فتوى، حتى وإن كانت موقعة من 1800 رجل دين بينهم بعض غلاة المتطرفين المعروفين بصلاتهم بتنظيم القاعدة أو حركة طالبان، بإمكانها تغيير المشهد الدموي في باكستان أو أي بلد آخر من البلدان المبتلية بالتطرف والتشدد؟
الإجابة هي لا! وذلك من واقع سوابق كثيرة. حيث سبق وأن أصدرت جهات وقيادات إسلامية مرموقة فتاوي من هذا النوع ضد جرائم تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، فلم يزدها ذلك إلا إصرارا على الاستمرار في غيها وحماقاتها الدموية. بل حتى في باكستان نفسها سبق وأن أصدر علماؤها في ديسمبر الماضي فتوى بأن الصلاة خلف أئمة يؤيدون الإرهاب والهجمات الانتحارية على المسلمين والمساجد والنساء والأطفال وقوات الأمن الباكستانية «حرام» شرعا. فما كان من المستهدفين بالفتوى، وفي المقدمة منهم زعماء حركة طالبان الباكستانية إلا أن ردوا برفضها زاعمين، أن ما يقومون به من إزهاق للأرواح وتخريب للممتلكات، جزء من «فريضة الجهاد»!
المراقبون للمشهد الباكستاني يقولون أيضا إن الفتوى الباكستانية مجرد إبراء للذمة، بمعنى أن إسلام آباد هي أول المقتنعين بعدم جدواها في بلد تجذرت فيه «ثقافة الكلاشينكوف» منذ زمن تحوله إلى منطلق وجبهة للمجاهدين الأفغان في الثمانينيات. وهذا يقودنا إلى التأكيد مجددا على أن المشكلة أكبر من أن تجد طريقها نحو الحل بمجرد فتوى. إذ أن هناك مئات الآلاف من الشباب الباكستاني والأفغاني ممن رضعوا المفاهيم الجهادية ووسائلها الانتحارية، وغُـرست في أدمغتهم منذ الصغر أن العنف والقتل والتدمير ضد «الدولة الكافرة» من صحيح الإسلام، ووسيلة من وسائل التقرب إلى الله وبلوغ الجنة. وعليه فإن هؤلاء ليس من السهل أن يعودوا إلى جادة العقل والصواب بمجرد صدور فتوى، خصوصا إذا كان مصدر تلك الفتوى شخصيات دينية محسوبة على «الدولة الكافرة» التي يحاربونها.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
04/02/2018
2335