+ A
A -
روى ابن قتيبة في رائعته عيون الأخبار المؤلفة من أربعة أجزاء قال:
لما اشتغل الخليفة عبد الملك بن مروان بمحاربة عبد الله بن الزبير، اجتمع وجوه الروم وكبراؤهم إلى إمبراطورهم وقالوا له: لقد انشغل العرب بقتال بعضهم بعضًا وهذه فرصة سانحة لنا، والرأي أن نهاجمهم.
فقال: إياكم أن تفعلوا!
ذُهِل كبار القوم من ردّ الإمبراطور، واستفسروا عن سبب ما قال.
فدعا بكلبين وحرّض بينهما فاقتتلا قتالًا شديدًا، وبينما هما في غمرة القتال هذا يعضُّ ذاك، وذاك ينهش هذا، دعا بثعلب وزجّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب أوقفا القتال وهجما عليه حتى قتلاه!
عندها قال الإمبراطور: هذا مثلنا ومثلهم، فإن هاجمناهم اجتمعوا علينا، وإن تركناهم أفنى بعضهم بعضًا!
الرسالة من القصة واضحة، والمغزى جليّ، والعبرة بيّنة، لو اكتفيتُ بها ولم أزد على هذا حرفًا لكفى، ولكن لا بأس أن أقول إن التاريخ يعيد نفسه، أو لماذا نظلم التاريخ، نحن الذين لا نعتبر من دروسه، ونعيد الكَرَّة كل مرة رغم أننا نعرف النتائج مسبقًا!
في نزاع الإخوة لا يربح أحد، هزيمته هزيمتكَ، ولو كنت أنتَ من ألحق به الهزيمة، ونصره نصركَ ولو انتصر وحده، الضعيف قويّ بإخوانه، والفقير غنيّ بإخوانه!
العرب في جاهليتهم كانوا على هامش الحضارة والتأثير والتقدم لأنهم كانوا قبائل متناحرة، بأسهم بينهم شديد، يُشهرون سيوفهم لأجل الكلأ والماء واللقمة ولا مبدأ، ولا رسالة، أو يشهرونها ليخوضوا حرب الآخرين بالوكالة، عرب الشام كانوا سيوف هرقل، وعرب اليمن كانوا سيوف كسرى، وما سدنا البشرية، وحملنا لواء التقدم والحضارة والإنسانية إلا يوم أغمدنا سيوفنا فيما بيننا بأمر الإسلام العظيم، وأشهرناها في وجوه أعدائنا، وكنا يدًا واحدة وقلبًا واحدًا، عندها فقط تداعت الإمبراطوريات العظيمة أمامنا، وصار الخادم هو السيد، والسيد هو الضعيف المنقاد!
ما توقفت الفتوحات يومًا إلا بسبب صراع داخلي، وما سقطت لنا دولة إلا لأنها كانت هشة، نهشها سوس خلافاتنا قبل أن تنهشها سيوف أعدائنا! الأندلس لم يُسقطها الإسبان وإنما أسقطها ملوك الطوائف وأمراء المدن المتناحرة، الإسبان أطلقوا عليها رصاصة الرحمة فقط، ولم يُسقط هولاكو بغداد، بغداد سقطت قبل هذا بكثير، أسقطناها نحن بنزاعاتنا وحروبنا الداخلية، هولاكو جاء فوجدها مهيأة للاحتلال فاحتلها!
من يكرر حوادث التاريخ الفاشلة سيتجرع النتائج ذاتها، ونحن اليوم ضعفاء لا لأن أعداءنا أقوياء، وإنما لأننا أمة مشرذمة وقبائل متناحرة، فهل من معتبر؟!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
04/02/2018
4069