+ A
A -
يجب ألا ننتظر، في الظروف الراهنة، صلاح دين جديدا، كرديا كان أم عربيا، ونحن لا نرى غبار أحصنة تلوح من بعيد لتحمل بشرى استعادة القدس او مكة. والتاريخ الذي يعيد نفسه، يعيده عندما يرى ذلك مناسبا، وليس عندما نراه نحن كذلك.
لا تتوقعوا صلاح الدين، فردود الفعل التي وصلت إلينا بعد ضياع المساجد والمعابد، إما خجولة او غير مهتمة، بدليل اننا نعيش الآن عهدا طازجا من عهود الجواري الحديثة، حيث لا كلمة حق تقال، وإذا قيلت فإنها لا تحمل معنى مفهوما او آلية قابلة للتنفيذ.
أظن ان كل شيء عندنا قد تم بيعه الآن بعد دمار او ضياع نصف الدول العربية على الاقل، وكل شيء تقريبا قُلب رأسا على عقب، ذلك اننا لسنا في زمن البعير التي ترفع أعلام النصر، بل في زمن الصواريخ وحاملات الطائرات.
وإذا كنا نعترف بأن الجامعة العربية قد تحولت الى مجرّد مكتب فاشل للعلاقات العامة، فقد عملت دول الحصار على شق مجلس التعاون الخليجي الى مجلسين ثلاثيين غير معلنين. وفوق ذلك فإن الاقليم الذي نعيش فيه يخضع لنفوذ مؤسسات تَواصُل وبحث عملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وآبل وتويتر، إضافة الى كل ما يخطر على البال من عقول تنشطر في الفضاء الإلكتروني الواسع غير المحدود وغزواته، والجبروت الموسوعي المدعوم بعالم ويكيبديا ومثيلاتها التي لم تعد أبدا مراكز بحث ومعلومات، فحسب.
إذ علينا أن نعترف ان »الكبار« امتطوا صهوات »التحليل الفضائي« ذي النزعات المعوجة التي تقول لنا علنا ودون أدنى خجل أو اعتذار اننا مزوِّرون وأفاكون، وأن الشرق الاوسط ليس حكرا علينا ببلدانه المدمرة او التي لم تدمر بعد، بما في ذلك حواضره الدينية وتراثه المقدس الذي لا يحتمل، في العادة، إنكارا او جدلا بشأن مُسَلَّماته.
لا أحد يفوز بسهولة في مسابقة كهذه، لأنها ببساطة ليست نابعة من عقل سوي، ولأنها محت التاريخ وغيرت الجغرافيا والحدود وأصول البشر، وملأت الكون بجينات إلكترونية لا يحل طلاسمها إلا مترجمو اللغات الجديدة السائدة.
ألف باء ذات مواصفات سايبيرية تصهل اليوم حتى في صحارى الجليد لتعود بنا الى عصور الإبل والرواة المدججين بمؤهلات لا تمنع اعتبارهم عنصريين في زمن هذه هي مكوناته، في آخر المطاف.
قد يُذكرنا بعض الذي يجري لنا الآن بسفن العبيد الذين يُشنقون إذا تطاولوا على »الأسياد«، غير أن هذه المشاهد المجنونة، أبطالها دجالون أذكياء يستخدمون الآلات المعقدة والمكلفة في سحق الحشرات الآدمية التي تجرؤ على كسر التعهدات المتفق عليها.
لذلك كله لا تنتظروا صلاح الدين، ولا تندمجوا كثيرا مع البكائيات أو تنحنوا طوال الوقت لسادة التسويات التي يجرى العمل على تنفيذها، ولكنْ لن تصمد كثيرا من الوقت أمام مخارج سيعثر عليها التاريخ، وليس نحن بالتحديد، مع كل أسف.
ما يفسد هيبة الظالم ان عيون المظلومين تلمع بالأمل وتواصل فضح الحقيقة العصية على إبقائها مختفية عن الأنظار كل الوقت، إذ لا بد من سريان مبدأ الثواب والعقاب في النهاية، أو قبل حلولها بقليل.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
11/02/2018
2719