+ A
A -
منذ سنوات وأنا أحذر من زوال الطبقة الوسطى في مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمعات الخليجية بالذات واختفائها، وذكرت أنها مخزن القيم والأخلاق والفضيلة الوسطى. خيرات هذا الوطن العربي الكبير أصبحت وبالا عليه وعلى شعوبه، ودين عالمنا الإسلامي أصبح وبالا عليه أيضا، تم القضاء على الطبقة الوسطى الاقتصادية بسرقة المال العام واحتكار التجارة والأعمال وضرب القوى العمالية في المجتمعات بيد عاملة آسيوية أو غيرها، كما تم إزالة أو التضييق على الطبقة الدينية الوسطى التي ترى في الإسلام دين حياة وتعايشا لحساب ثنائية الشيخ والمريد، والفقيه والمقلد، فأصبحنا بين طبقتين: اقتصاديا بين طبقة عليا متخمة، وسفلى متهالكة، ودينيا بين طبقة فقهاء الطوائف وجند الله بأحزمتهم الناسفة. ثم نتساءل من أين جاءت «داعش»؟! من يستطيع أن يفسر أن معظم منتسبي داعش هم من أبناء السعودية بالذات أغنى دول العالم قاطبة؟ داعش هي الطبقة الوسطى المقتولة في مجتمعاتنا العربية، داعش هي نظام التعليم العام الذي ضحينا به لحساب المدارس الخاصة بما فيها الدينية، داعش هي الانقسام الذي أوجدناه لحماية ديكتاتورياتنا فإذا به يقترب من رقابنا، كيف يتحول طبيب الطبقة الوسطى إلى مقاتل يبطش بالناس، كيف يتحول مهندس الطبقة الوسطى من البناء إلى الهدم؟ هؤلاء يحملون قيما إنسانية أين هي الآن؟ تم حصار الطبقات الوسطى في المجتمعات العربية الكبيرة وتهميشها بأنظمة عسكرية بوليسية تريد الاستمرار إلى مالا نهاية حتى إنك تلاحظ غياب قيم وأخلاقيات الطبقة الوسطى في خطاب إدارة الخلافات عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، مقارنة بالسابق، اختفت الفنون لاختفاء الطبقة الوسطى وبقي التصفيق المجاني، اختفت ثقافة الإبداع لاختفاء الطبقة الوسطى لحساب ثقافة الاتباع، اختفي الشعر كأغراض لاختفاء الطبقة الوسطى لحساب الشعر كانتهاز، اختفى المثقف المتجرد حتى لا يتجرد من ملابسه فقرا لحساب المثقف الصفقة المزدوجة. اختفى مسجد الإسلام العام لحساب مسجد الخطاب الديني الخاص. ونتساءل من أين جاءت داعش؟ إنها لعنة زوال الطبقة الوسطى بمفهوميها، الاقتصادي والديني، إنها ثمرة الاحتكار الاقتصادي والديني، إنها ثمرة الابتعاد عن الإنسانية، من يستطيع أن يجزم ثلاثا على انه من أهل الجنة وغيره في النار، من يستطيع أن يجزم أن إسلامه فقط هو الصحيح وغيره هالك؟ أي عقلية وسطية تقول بذلك، لا تستطيع أن تنتج عقلية وسطية دون طبقة وسطى حقيقية، التخمة قد تنتج تطرفا، كما أن الفقر ينتج تطرفا كذلك، سياسة عزل الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية أو تقليصها والتضييق عليها أو إزالتها، أدى إلى ظهور القاعدة «المعتدلة» نسبيا بالنسبة إلى داعش المرعبة حاليا والأخطر قادم بلاشك، أطفال يحملون رؤوسا مقطوعة إلى أي نظام تعليمي ينتسبون؟ أو إلى أي طبقة هم ينتمون؟، اختزال للدنيا وللعمل وللحياة تماما، إننا نعيش الآخرة ومشهد وقوفنا أمام الجنة والنار، قبل الأوان وقبل أن تطوى الصحف وتجف الأقلام.
بقلم:عبدالعزيز بن محمد الخاطر
copy short url   نسخ
12/02/2018
2989