+ A
A -
في إيرلندا يوجد مكتبة فريدة من نوعها، اسمها مكتبة «مارشال» تحوي كتباً قديمة ونادرة، وبعض الكتب هناك لا يوجد في العالم منها إلا نسخة واحدة هي تلك التي بحوزتهم، المهم أنه لا يمكن لأحد من القُرّاء استعارة أي كتاب ولا استئجاره حتى ليقرأه في البيت، وإنما تتم قراءة الكتب في المكتبة فقط، حيث يقومون بإدخال القارئ إلى غرفة ويقفلون عليه، وعندما ينتهي يناولهم الكتاب من فتحة صغيرة في الباب، فيفحصونه، فإذا وجدوه سليماً معافى، يفتحون له الباب، ويحصل على إفراج!
في حالة مكتبة مارشال أتفهم هذه الإجراءات المشددة كون الكتب نادرة، ولكن ما لا أفهمه هو هذا السر الذي يدفع الناس للاحتفاظ بالكتب التي استعاروها بعد الانتهاء من قراءتها، وهذا شيء نفعله جميعنا على ما أعتقد، فما زلتُ أحتفظ بكتابٍ استعرته من صديقي منذ ثلاث سنوات! وكذلك ما زلتُ أنتظر عودة كتبي التي أعرتها منذ سنوات أيضاً! ولو سألني أحدهم: لِمَ لمْ تُعِدْ الكتاب؟ فإني لا أملكُ جواباً منطقياً رغم أني قرأته وليس بخاطري العودة إليه مرة أخرى، والأدهى من ذلك أنني وجدته في كثير من المعارض التي زرتها فلا أنا اشتريته لأحتفظ به، ولا أنا أعدت المستعار إلى صاحبه، ويشهد الله أني لا أحب استعارة الأشياء ولو كانت إبرة، ولو فعلتُ فلا أطيق صبراً حتى ارجاعها ولكن لا أدري ما الذي حدث لي مع هذا الكتاب الذي أفكر جدياً بإعادته!
المسألة تبدو لي أنها وباء ثقافي أكثر منها جرم سرقة، فأنا أؤمن بمقولة أن اللصوص لا يقرأون، وأن القراء لا يسرقون! وتشجيعاً على استفحال هذا الوباء يقول الجميل عبد الرحمن منيف: أحمق من يعير كتاباً وأحمق منه من يرده! وقرأتُ مند سنوات مقابلة صحفية مع محمد القشعمي قال فيها إنه استعار كتاب «دراسات في المجتمع العربي» من مكتبة وزارة العمل السعودية منذ أربعين عاماً ولم يرده حتى اللحظة!
وفي سياق متصل، فإن لفولتير الأديب الفرنسي قولاً طريفاً في المسألة يقول فيه: لا تعر كتبك فإنه لم يتبقَ في مكتبتي إلا الكتب التي استعرتها!
لا أريد أن أقول لكم لا تعيروا كتبكم، فشخصياً لن أرد طالب كتاب ولو كنتُ أعلم أنه لن يرجعه، ولكنني أريد أن أقول: أرجعوا الكتب التي تستعيرونها كي تبقى ظاهرة مشاركة الأشياء الجميلة رائجة، تخلصوا من هذا الوباء الثقافي، وبنفسي أبدأ، وفور الانتهاء من هذا المقال سأقوم بإرجاع الكتاب الذي أنام عليه منذ ثلاث سنوات، وأنتهز هذه المناسبة لأقول لأصدقائي الموبوئين: أعيدوا إليَّ كتبي!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
15/02/2018
3484