+ A
A -
المتتبع للساحة الاجتماعية المغربية قد لا يصل به التشاؤم إلى حد الإعلان عن موتٍ حاسمٍ للنقابات، لكنه في المقابل لن يستطيع تجاهل حقيقة كون الحكومة قد أصبحت مضطرة في كل مرة للتفاوض مع الشارع وممثلي الفئات المحتجة مباشرة وبلا وسائط.
فاعلو الجيل الجديد من «الاحتجاج» لا يأبهون كثيراً بالشعارات السياسية، بقدر ما يبلورون استراتيجياتهم الاجتماعية، تفاعلاً مع قضايا محلية ملموسة، أو مع قضايا مطلبية فئوية (تنسيقيات الطلبة الأطباء/ الأطباء الداخليين والمقيمين/ الأساتذة المتدربين)، وهم في ذلك يستطيعون تعبئة الكتلة الحرجة من المستهدفين، مما يمنح تظاهراتهم طابعاً جماهيرياً حقيقياً، مع إبداع أشكال احتجاجية غير مسبوقة، مستثمرين في ذلك وسائط التواصل الاجتماعي وسهولة الولوج للفضاء العمومي، ومعتمدين على صيغ ديمقراطية في إنتاج القرار، مع بنياتٍ قيادية ذات طابع تنفيذي متميزة بالمرونة والابتعاد عن المركزية.
صعود هذه الاحتجاجات الكبرى المرتبطة بالقضايا المحلية أو الفئوية، مقابل ضمور التعبئة الوطنية حول قضايا اجتماعية مهيكلة، بعضها مطروح للنقاش، مثل مستقبل المدرسة العمومية، أو سياسة التقاعد أو تفكيك منظومة الدعم العمومي للمواد الأساسية،لابد أن يسمح بالتقاط إحدى المفارقات الأساسية للمرحلة، ويدعونا جيداً للتأمل في المفهوم الذي نحته أحد المفكرين الفرنسيين، وهو يتحدث عن «نهاية المجتمع»، وهو ما يعني كذلك نهاية القضايا الاجتماعية، كمحدد مركزي للتقاطبات السياسية والفكرية.
لنلاحظ أن المشاريع الاجتماعية المُدمجة والمهيكلة، تتراجع بشكل مُهول، على حساب خطابات الهوية الثقافية، أو الخطابات المطلبية الفئوية قصيرة النفس، وهو ما يعني تحللاً لفكرة المجتمع، على حساب فكرة الانتماء الهوياتي المنغلق، أو الانتماء الفئوي الضيق.
إن الخطابات حول القيم والهوية أصبحت تحتل موقعاً رئيسياً في القدرة على التعبئة وبناء التقاطبات المهيكلة للمجتمع، وبعد ذلك تأتي المطالب المحلية والفئوية، أما التصورات الكبرى حول المجتمع فأصبحت من الضمور والضعف أهون من أن تستعيد قدرتها التعبوية السابقة.
في المقابل فإن الشروط الاجتماعية الصعبة وظروف الإقصاء والهشاشة لاتزال قادرة على تشكيل الخلفية المادية للعديد من الحركات الاحتجاجية المحلية في مدن صغرى ومتوسطة (الحسيمة وجرادة كأمثلة حديثة).
فما الذي تغير؟ الفاعل الاجتماعي أم المسألة الاجتماعية نفسها؟

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
16/02/2018
2578