+ A
A -
في المجلس مع الوالد وبعض اهل الريان كالعادة بعد صلاة العصر حيث كنا نجلس لتناول القهوة والشاي، إلا أن اليوم كان مختلفا إنه الخامس من حزيران عام 67، وكانت مهمتي الذهاب بين حين وآخر لاستماع إلى الاخبار من المذياع الكبير ذي البطارية الزرقاء الضخمة خلفه والعودة إلى المجلس لإخبارهم عن تطورات الحرب كما كنا نعتقد أولا، بينما هي في الحقيقة ضربة جوية قاصمة انتهت المعركة في الساعات الأولى، وفي كل مرة أخبرهم بعدد الطائرات التي أسقطت لإسرائيل، وأسمع كلمة «بعَدي» أي أحسنت من الجالسين، واستمر الوضع حتى انفض المجلس قبيل المغرب، لنكتشف في اليوم التالي هزيمة بحجم الجبال الراسية.
كان المد القومي الناصري من القوة بحيث وحد الاجيال، فكبار السن كانوا أكثر حماسا من الشباب والصغار، لازلت اذكر الشاعر القطري الشعبي الكبير سعيد بن المحرول وهو يبكي الهزيمة، وعبدالناصر بعد ذلك، والمرحوم سالم بن علي المحشادي «بوعشوان» وهو يرفض الهزيمة والمطروشي صالح وهو يكذب الاخبار من شدة إيمانه بالعروبة التي لا تُهزم، هؤلاء كانوا بعض رواد مجلس الوالد رحمهم الله جميعا، كانت الاحوال الاقتصادية متواضعة جدا، لكن كانت الحياة تقوم على المعنى أكثر من المادة، تفاعل اهل الريان مع الهزيمة بطريقة وطنية بعيدا عن أي ايديولوجيا أو تأنيب ضمير، وتطوع العديد منهم للذهاب للقتال مع صفوف المقاومة أذكر منهم الأخ فالح زويران الدوسري والاخ محسن سعيد السبيعي، كنت في صيف الانتقال من الابتدائية إلى الاعدادية، حيث قامت بعد ذلك حرب الاستنزاف التي ارهقت إسرائيل حتى عام 69 وطلبت إسرائيل الهدنة، وفي عام 68 افتتحت إذاعة قطر وكان يوم ثلاثاء على ما أذكر وبصوت المذيع زهير قدورة شعور جميل أحسست به تلك الليلة وكأنها تتكلم باسمي شخصيا.
الإشكالية اليوم أن وضع العزيمة المادية في ذلك الوقت أفضل من وضعنا الحالي حيث الهزيمة النفسية، وتحول النزاع العربي -الإسرائيلي إلى النزاع العربي-العربي ومن ثم إلى النزاع الخليجي- الخليجي ومن المستوى العربي الاوسع إلى المستوى الطائفي الاضيق -السني -الشيعي وتالياً السني -السني.
أنا أطالب بإعادة الاعتبار للهزيمة بعد أن وصل بنا الوضع إلى ماهو عليه من تشرذم وانبطاح وعمالة وتفسخ أخلاقي لا تشعر معه اننا أبناء أمة أو أصحاب دين.

بقلم:عبد العزيز الخاطر
copy short url   نسخ
16/02/2018
2356