+ A
A -

- 1 -
في أقلّ من شهر، اجتاحت موجة التغيير السياسي، ثلاثَ دول إفريقية. الموجة اعتبرها البعض ربيعاً إفريقياً، امتداداً للربيع العربي.
إفريقيا الاستوائية، لا تعرف فصل الربيع، الخريف في إفريقيا سيد الفصول، الأمطار والبرق والصواعق.
في الماضي القريب، كان تغيير السلطة في الدول الإفريقية، يأتي إما عن طريق الانقلابات العاصفة، أو الحروب الدامية المُنطلِقة من الأطراف إلى مركز السلطة في العواصم.
هذا ما فعله الرئيس اليوغندي يوري موسفيني، وكابيلا، وملس زناوي، وأسياس أفورقي، وسعى إليه الدكتور جون قرنق؛ وهو يُطلق حربه ضدَّ الخرطوم من الغابات الاستوائية.

- 2 -

الرئيس الزمبابوي موغابي، ظلَّ مُمسكاً بزمام السلطة لسبعة وثلاثين عاماً، وحينما بلغ التسعين وهن العزم والعظم، وارتخت الأصابع وتعثَّرت خُطاه.
وكانت صورُه المُنتشرة في الشبكة العنكبوتية ووكالات الأنباء، في مرة وهو مستغرق في نوم عميق، وفي أخرى يسقط على الأرض؛ كانت تلك الصور أكبر مُحرِّض عليه.
في إحدى القبائل الإفريقية، إذا مرض الزعيم القبلي، وبان عليه الضعف والعجز، اختفى عن الناس، فقانون القبيلة يحكم على الزعيم المريض بالموت.
مرض الزعماء هناك، عاهةٌ تجلب الإهانة والمذلَّة للقبيلة، وتُحرِّضُ الأعداء عليها، فضعف القبيلة من ضعف زعيمها، لذا يسارعون لقتل الزعيم المريض ويستبدلونه بزعيم جديد وافر الصحة والعافية.

- 3 -

كان برلمان زيمبابوي، اجتمع لبدء إجراء إقالة الرئيس روبرت موغابي، الذي رفض الاستجابة للدعوات المُلحَّة، للذين يطلبون منه الاستقالة بعد سبعة وثلاثين عاماً في الحكم.
وبعد فترة قصيرة، تحرَّك الجيش لعزله، وجاءته الطعنة القاتلة من نائبه ايمرسون منانغاغوا، عندما خرج عن صمته، وطالب هو أيضاً بإقالة رئيس الدولة.

- 4 -

رئيس جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، (75 عاما)، رضخ تحت الضغط لأوامر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي خيَّرَهُ بين الاستقالة أو الإقالة.
وخرج الزعيم زوما على شاشة تليفزيون جنوب إفريقيا، ليُعلن قرارَ تنحِّيه من رئاسة البلاد بشكلٍ فوري، مُشيراً إلى خلافه مع قيادة حزبه.
وقال زوما في «خطاب الوداع» الذي استمر 30 دقيقة، إنه يختلف مع الطريقة التي دفعه بها الحزب لترك السلطة مبكراً.
واعتبر زوما أن ما صدر عن حزبه قرار «جائر جداً»، مؤكداً أنه لم يقم بأيِّ عمل يُبرِّرُ هذا القرار.

- 5 -

كنتُ قبل أسبوعين في أديس أبابا، لتغطية اجتماعات الدورة الثلاثين لاجتماعات الاتحاد الإفريقي، ومُتابعة اجتماعات رؤساء السودان وإثيوبيا ومصر، عن خلافات سد النهضة.
كانت الأوضاع مُستقرَّة في العاصمة أديس، لكن المعلومات كانت ممزوجة بالشائعات، وتحكي عن وميض النار المُشتعل تحت الرماد في مناطق مجموعة الأرومو.
لم تمضِ أيَّامٌ من زيارتي تلك، فإذا بمظاهرات واسعة النطاق تندلع في مناطق الأرومو، وهي تعدُّ أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، وذلك بسبب ما يبدو أنه تباطؤ السلطات في الإفراج عن السجناء، وهي الخطوة التي وُعدوا بها في يناير الماضي.
شباب الأرومو أغلقوا الطُّرق المؤدية إلى العاصمة بالصخور، وأحرقوا إطارات السيارات، وعطَّلوا شبكات النقل العام. وأُغلقت الشركات في جميع أنحاء منطقة أورومو الشاسعة كجزء من الإضراب.
لم يحتمل رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين، قوة ضغط التظاهرات، فهو سياسي أكاديمي مسالم، يميل للمثالية ولا يحتمل المُواجهات.

- 6 -

استقالة الرؤساء الثلاثة (موغابي- زوما- ديسالين)، والتغيير السلس الذي تمَّ في تلك الدول، يوضح بجلاء أن إفريقيا أصبحت أكثر وعياً ونضوجاً سياسياً من الدول العربية، التي خاضت مشاريع التغيير الثوري فانتقلت إلى وضع أسوأ.
التغيير الثوري في تجارب الربيع العربي لم ينجح نسبياً إلا في تونس، في ليبيا لا تزال الدولة في حالة انهيار وتشظٍّ، وكذلك في سوريا واليمن، أما في مصر فلم يتجاوز استبدال دكتاتور بآخر.

-أخيراً-

ما حدث في الدول الإفريقية الثلاث، خريفٌ إفريقيٌّ ولكن بلا رعود وبروق وصواعق.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
18/02/2018
2137