+ A
A -
في مثل هذا الشهر، قبل ثلاث عشرة سنة، عاش المغرب دولة ومجتمعاً، صدمة ورعب الإرهاب.. كثيرون قبل ذلك كانوا يعتبرون في اطمئنان أن المغرب يشكل استثناءً فريداً، وأن نموذجه السياسي وعلاقة الدين بالدولة فيه وطبيعة «الإسلام المغربي»، كلها أمور تجعله عصياً على مغامرات الإرهاب والتطرف.
منذ 16 مايو 2003، إلى اليوم، والمغرب في حالة مواجهة مفتوحة مع ما أصبح خطراً حقيقياً، قريباً ومهولاً.. مواجهة تجلت في حزمة من السياسات ذات العلاقة بالشأن الديني، والموضوع الأمني، وإذا كان التركيز على ما يعرف بالمقاربة الأمنية قد أثار دائماً حفيظة الحقوقيين، فإن الدولة قد ضاعفت كذلك من اهتمامها بالحقل الاجتماعي دون أن يبدو في الخطاب الرسمي هذا الأمر جواباً مباشراً على الظاهرة الإرهابية، مخافة السقوط في فخ خطابات تبرير التطرف والعنف.
قبل أسابيع، وفي نفس السياق، أعلن من أعلى السلطات العمومية، عن قرار مراجعة مناهج التربية الدينية، وهو ما اعتبر خطوة جديرة بالانتباه، ليس فقط من زاوية هواجس الاجتثاث الفكري لمنابع التطرف والإرهاب، بل وأساس لضمان شروط بناء مدرسة مساهمة في بناء المواطنة.
ذلك أن كل المجهود المؤسسي والتنظيمي، في مواجهة التطرف والإرهاب، سيظل قاصراً، على بلوغ أهدافه القصوى، إذا لم يواكب بالأهم والأعمق: الإصلاح الديني، كورشٍ فكرية غير قابلة للالتفاف، لدى كل مُجتمعٍ في مرحلةٍ من مراحل تطوره التاريخي والإصلاح الديني، الذي يعني مجهوداً جماعياً للتجديد، يوائم بين العقيدة وبين الانتماء للعصر، بين الإيمان وبين تملك الحريات والحُقوق.
وفي مشروعٍ ثقافي كبير، مثل الإصلاح الديني، فإن أدوار المدرسة، تبقى الأكثر حيويةً.. المدرسة هي مختبر المُجتمعات، إنها المكان حيثُ تنتج القيم والمدارك الجماعية والمعايير المؤسسة للعيش المُشترك، وحيث تُصنع التمثلات الحاسمة حول الذات والآخر، حول فكرة الأمة ومفهوم الوطن، داخل المخيال الجماعي للشعوب.
مغربياً، ما نملكهُ اليوم، خارج الخطابات التقنية المُتكررة حول أزمة التعليم، هو مدرسةٌ تنتج في الغالب أجيالاً من معطوبي الهوية، وناقصي المواطنة.. مدرسةٌ بمشروعٍ قيميٍ هجينٍ، جعل مُخرجاتها تحملُ منسوباً ضعيفاً على مستوى تنمية الحس النقدي والتفكير العلمي، وجعل قواعد التربية الدينية داخلها، لا تعني دائماً التربية على التسامح والحوار والاعتراف المتبادل، ولا تعني بالضرورة الإطلاع على التاريخ المقارن للأديان، وتشجيع الاجتهاد العقلي.
إن الحرية، التسامح، الاختلاف، المواطنة والمساواة، قيمٌ لا يمكن أن تنتج خارج المدرسةٍ.. إن التعليم المُستوعب لشرطه التاريخي، هو وحده القادر على التحول إلى تمرينٌ بيداغوجيٌ مستمرٌ حول بناء المواطنة.
بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
27/05/2016
5141