+ A
A -
قلما يتزامن يوم استقلال دولة مع يوم تحريرها .. فاليوم ذكرى استقلال الكويت(1961) وغداً سيصادف ذكرى حرب تحرير الكويت(1991). في هذا العام بالتحديد ارتفع اهتمام الكويت بربط هذا الماضي بالتحديات التي تحيط بها والتي تؤثر في المستقبل، لهذا ليس من الصدفة أن الكويت استضافت قبل أيام مؤتمر دولي وإقليمي لإعادة بناء العراق. فلسان حال الكويت يؤكد حرصها الابتعاد عن ذلك التاريخ الصعب مع العراق لصالح مستقبل يتضمن الاحترام المتبادل بين الدول المتجاورة. فللكويت كل المصلحة والحرص على عراق مزدهر ومستقل ..
قد لا تكون النتائج بحجم التوقعات، لكن ذلك يمثل خطوة هامة بالاتجاه الصائب. في ذكرى الاستقلال والتحرير تتذكر الكويت من سقط دفاعاً عن حقها في البقاء، لكنها في هذه الذكرى تعيش فرزا كبيرا بين الأفكار، إذ تحتفل الكويت هذه الأيام بقيام «محكمة التميز» بإطلاق سراح كل من ارتبط بقضية «دخول مجلس الأمة» في أوج مرحلة الاحتجاج الكويتية في العام 1102.
في ذكرى التحرير والاستقلال يتضح بأن الكويت مازالت بلداً متنوعاً، فيه ما يجمع المدينة بالبادية والشيعة بالسنة والشباب بالمستقبل.. ومازال هامش الحرية في الكويت يحتمل التعديل لصالح التعبير بأكثر مما يحتمل التضيق والتراجع الذي قد يكون قد وصل لمداه.. في يوم الاستقلال والتحرير لا يبدو في الأفق تراجع عن التعددية السياسية والمجتمعية، فالمجتمع الكويتي زاخر بالحركات السياسية وهو من أكثرها تنوعاً بالأفكار واستعداداً لتعميق التجربة الديمقراطية.. بل يزداد التساؤل الكويتي في الحوارات والنقاشات الدائرة اليوم عن الوعي القادر على الجمع ضمن مبادئ التنوع بين التيارات التي تتكون منها الكويت. فهذه التيارات لديها جذرها الإسلامي بشقه السني والشيعي كما ويتميز بعضها الآخر بالعمق الليبرالي والقومي والوطني.. في ظل المنعطفات التي مرت بها الكويت استمر حق هذه التيارات في التنافس السياسي والثقافي.
بين التنوع ونفيه وبين الحرية والحد منها عاشت الكويت ذات التحدي الذي مر على كل العرب.. لكن فوارق عدة ميزت الكويت عن غيرها من التجارب العربية.. فقد جاءت التجربة السياسة في الكويت من خلال مكانة المجلس النيابي والنقاش المفتوح والتيارات المتحركة، وهذا أدى لبروز السياسة والسياسيين في الكويت. الكويت من الدول التي تتميز بوجود شخصيات سياسية وقادة رأي وتيارات تترك أكبر الأثر في توازنات المجتمع والدولة.. استقلالية المجتمع وحدود دور الدولة في ظل هذه الاستقلالية النسبية ليس شعاراً، بل ممارسة تعكسها الأحداث السياسية وطبيعة التعبيرات السياسية في البلاد.. إن التوازن بين المكونات المجتمعية المختلفة أساسي لنجاح التجربة الكويتية، فوجود قادة رأي وقادة سياسيين يتمتعون باستقلالية ساهم بشكل كبير في تعميق الأفق الكويتي الديمقراطي والحفاظ على التوازنات.
في الشهور القليلة الماضية تغيرت وقائع كثيرة.. ففي ظل أزمة الخليج التي اشتعلت منذ مايو 7102 تشعر الكويت بضرورة الحفاظ على وحدة الخليج والحد من الخلافات، لكنها بنفس الوقت تفكر بمستقبلها كدولة صغرى بين دول كبيرة كما وتزداد اهتماما بتلك الشروط التي تضمن مكانة الدول الصغرى وحقوقها في إقليم مضطرب.. لن يحسم هذا الأمر بين يوم وليلة، فأزمة الخليج أدت لتخوفات لن تختفي في العام 8102. التحدي الجديد يفرض على الكويت الاستعداد للمرحلة القادمة التي تتضمن تحويل الذكرى إلى إنجاز يؤدي لتنويع التحالفات الإقليمية والدولية كما ولتنويع الاقتصاد والحفاظ على التوازنات الذاتية والحقوق السياسية في ظل تعميق خط الاستقلال الوطني.

بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
25/02/2018
3014