+ A
A -
وصلنا عن حفدة نابليون أن «PECHE AVOUE EST DEMI PARDONNE» أي أن الذنوب المعترف بها، تُغتفر جزئيًا..
ولا تسعفني ذاكرتي أنه حدث أن قدمت يومًا اعتذارًا أو شكرًا لنقاء سريرتهم لمخلوق ورفضهما، باستثناء (والدي، مربيتي، والأطفال)، لكن كثرا يتلقفون شكرًا أو عذرًا بمجرد ما يُقدم اليهم حتى لو لم يكونوا جديرين باستحقاقه، فيصدق فيهم قول رب العالمين:
«وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا»..
فيحدث أن أرغب في التحقق من إنسانية أو دماثة خلق أحدهم أو من مدى وعيه بذاته، فأقدم له اعتذارًا على خطأ بدر منه هو، على أمل أن ينجلي المعدن النفيس في نفسه ويقول: كيف تعتذرين، أنا من أخطأت، لقد التبس عليك الأمر.
إلا أن قوائم الملفقات حاضرة تتوسط قواطع أنيابهم، ولسان حالهم يقول: «بركة يا جامع، سُهي عليها».
فحدث أن صدمتني سيارة من الخلف أثناء وقوفي بإشارة، ومن المعروف أن التأمين يدفع عن الصادم والمصدوم عدا مبلغ هزيل، نظير الإجراءات المرورية ما ينفي وجود هاجس مادي ملح للإفلات من غرامة ضخمة، ومع هذا، فالبعض على استعداد للتربح من ذمته مقابل مائة ريال!
نزلت من مركبتي واعتذرت للسيدة بدعوى دعمي لسيارتها.
والمدهش، أن ملامح وجهها لم تُسفر عن استغراب، رغم أنها هي التي صدمت من الخلف لسرعتها، فتعثرت في كبح زمام عربتها، كما لم تلحظ وجود كاميرات مراقبة على رأس الاشارة.
ويبدو أن السيدة أجرت حساباتها بسرعة، فارتأت أن بركة دعاء الوالدين وفقتها لبلهاء لا تعرف أصادمة أم مصدومة، فصادقت على كذيبتي وتأففت ونظرت وبصرت، ثم عبست وأدبرت، ثم راحت تسعى للاتصال بالشرطة لإنهاء الإجراءات، وعاشت دور المصدومة!
جاء الشرطي وطالبنا بالانتقال للمرور للاطلاع على الشريط المسجل عن الواقعة.
ولكم هالها أن الشرطي وقع عليها هي الغرامة، وهنالك فقط صُدمت وشهقت من قلب قلب قلبها.
التفت للحظات صدق المرء، إلا أن لي وله الاستمتاع بقدرات البشر التمثيلية، حين يُصَدق الرجل كذبته، ثم يصدق أننا صدقناه.
فيتوهم أن معاذيره قد انطلت علينا
فمن خدع من؟
ولا يؤرقني سوى صدي صوت الأبنودي موبخاً بحروفه:
«بيكذبوا الصدق، أما الكذب يتصدق».
وأحيانا أحتال للتقصي عن السلامة النفسية للأطفال، فأبدي اعتذارًا لهم عن كسر المزهرية مثلًا، فيكون الرد فطريا سليما: «لا خالتو، حضرتك فاهمانة خطأ، أنا ياللي كسرت المزهرية، لم تقع منك، أنت ما لاحظتِ منيح خالتو، صدقيني أنا ياللي دفشت المزهرية بالخطأ، آسف، لكن دخيل الله، ما تقولي لماما».
: «لا أمي، أنا من أشكرك على الحلوى، كيف عم تشكريني»؟
أما عن الكبار فحدث بكل حرج عمن جاءتني عشاء تبكي بدمع كذب، معتذرة بعدما كَشَفتُ غشها المالي، وقد أخبروها أنني أسامح الصادقين، فجاءت معترفة، وكنت على شفا مصافاتها تمامًا كوني جدًا أحبها.
ولكن ثمة خاطر هاتفني أن دمعها السخي السخين، ما هو الا إفرازات التماسيح، فأردت الاستوثاق قبيل إعادة ثقتي بها، فأخبرتها أني أنا من أعتذر لها كوني وجدت المال المفقود، فما كان منها إلا وفي لمحة، تقمصت قمصان الشخصية السموح، تلك التي تتغاضى وتسامح.
فتبخرت محبتي بانكشاف خداعها، وانجلى أسفها زائفًا، وبان زور اعتذارها.
لاتكذبوا الصدق بتصديقكم للكذب.

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
03/03/2018
2970