+ A
A -
عجبت ان إحدى سلاسل المطاعم الشهيرة في بريطانيا أغلقت معظم أبوابها بشكل اضطراري بعد نقص الدجاج، وأيضا نتيجة مشاكل في عقود التوصيل. فالامبراطورية التي تسعى دائما ألا تغرب شمسها، معروفة بوفرة إنتاجها الغذائي المتنوع، فهي تحرص، كغيرها من الدول الكبرى، أن تؤمن غذاء شعبها.
وعجبت أكثر، حينما قرأت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد استغل فرصة تواجده في معرض الزراعة في باريس قبل أيام لتبني دجاجة، ستكون مهمتها توفير البيض الطازج له في قصر الاليزيه، وأنه قال لمرافقيه خلال هذه المناسية: «سنقيم خن دجاج في الاليزيه!»، كما أن زوجته بريجيت ماكرون تنوي إقامة بستان خضار في قصر الاليزيه، على غرار ما قامت به ميشال أوباما في البيت الأبيض، فحتى رؤساء دول كبرى لا يجدون غضاضة في تربية استهلاكهم من الدجاج وبيضه، وزراعة خضراوات حيثما يقيمون، إنهم يقدمون مثلا لمواطنيهم للاحتذاء بهم في هذا التوجه الجميل.
وحينما تحدثت في ذلك مع طبيب صديق فوجئت به يقول لي: أنصحك ألا تأكل دجاج بعض المزارع، لأنهم يستخدمون فيها هرمونات منع الحمل لزيادة أوزان الدجاج وسرعة إنضاجه، وهو ما يتسبب في أضرار بالغة للرجال، وأن ذلك شائع في دول عدة، ولهذا يفضل تناول الدجاج الذي تربيه في بيتك أو في «مزرعتك»، فابتسمت قائلا: لست من أصحاب المزارع، فأنا اسكن في شقة محدودة المساحة، وبالتالي لا مجال لتربية الدجاج.
وجدت فيما قاله لي هذا الطبيب الصديق تفسيرا وسببا لوجود حظائر الدجاج في فلل مترفين وأثرياء وأحيانا مشاهير، والتي يتصاعد منها صياح الديوك وأصواتها الشجية المميزة في الصباح الباكر، فهو ليس سببا اقتصاديا كما كنت أتوهم، ولكنه سبب طبي بحسب إفادات صديقي غير القابلة للنقل والشرح.
في معادل عكسي تماما لتوجه كثيرين لتربية الدواجن في حدائق منازلهم، نجد صورة معكوسة في الريف المصري والعربي، إذ أن بعض الفلاحين أقلعوا عن تربية الدواجن بأنواعها، كما كان معروفا عنهم، وكما كانوا مصدرا لألذ وأشهى الدواجن طعما، واتجهوا إلى استهلاك الدواجن المجمدة المستوردة، اذ ان بعض الفلاحين أصيبوا بشغف الحصول على الجاهز والسريع، وأراحوا أنفسهم من عناء الاستثمار في تربية الدواجن، رغم ما كانت تدره عليهم من أرباح، ورغم أنها كانت تربية آمنة لا تلجأ إلى هذه الوسائل المريضة والممرضة، ولهذا فان التناقض صارخ بين رئيس دولة عظمى سيربي دجاجا في قصر الحكم الشهير، وفلاحين يعزفون عن تربية الدواجن في حظائر بيوتهم الريفية الواسعة، مما يعكس فجوة كبيرة وشاسعة بين ثقافتين، فهناك نزوع لدى فلاحي هذا الزمن لتطليق التريف والهجرة من الريف، والتوجه غير المبرر نحو تحضر زائف يجر عليهم وعلى مجتمعاتهم خسائر وأضرارا، ولهذا فان إحدى مهام ما ينشر من ثقافة بهذه الأيام التحبيب في حياة الريف، وإعادة الفلاحين العرب إلى أدوارهم التي استقالوا منها.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
07/03/2018
2099