+ A
A -
لماذا نَشعر بأننا غُرَبَاء في لحظاتٍ صَمَّاء يَحلف فيها فَمُ الزمن ألا يُحَرِّكَ بكلمةٍ شفتيه؟!
ضِعْنا نَحْنُ، ضِعْنا وبِعْنا نُفوسَنا لِمَنْ لا يَدفع، لا يَدفع أَكْثَر ولا أَقَلّ، بِعْنا نُفوسَنا لهذا الذي نَنتظره انتظارنا لِـ «غُودُو» الحالِف ألاَّ يَعودَ إلا لِيَدفننا أحياءً كما كانَتْ تُدْفَنُ الموؤودةُ.
صُندوق من الهموم يَحمله كُلٌّ مِنّا على ظهره، صندوق من الهموم لا يُذكرنا إلا بصخرة الحياة الثقيلة التي تَعِبَ بَطَلُ الأسطورة المسكين «سيزيف» مِن جَرِّها، فكُلَّمَا تَسَلَّقَ جَبَلَ الرغبةِ دَفَعَتْهُ عاصفةُ العجزِ إلى الوراء لِيَتَدَحْرَجَ كالكُرَة.
هكذا هُوَ الإنسان في معركة وُجوده، تَجِده يَئِنُّ تحت وطأة هَمِّه الثقيل في حياةٍ لا تُقاسمه أوجاعَ حَمْلِ الهَمّ، لماذا؟! لأن الحياةَ كما تَعيشها اليومَ هَمٌّ ما بعده هَمٌّ.
هُمومُ الإنسان تُجْبِرُه على أن يَسقطَ، يَسقط الإنسان ولا يَسقطُ هَمُّه، يَسقط الإنسان ولا تَسقط كلمةُ القَدَر، القَدَر الذي يُعَلِّمُه في مدرسة الحياة ما لم يَتَعَلَّمْه في مقاعد الدراسة.
يَستميت الإنسانُ المسكين طيلةَ أعوامه المعدودة، تَذوب جبالُ الجليد ولا يَذوبُ إحساسُه بالقهر مِن فَرط ما يُثقِلُه مِن هَمّ، الهَمّ ذاك الذي يَحُولُ بَينه وبين النوم إلا ما اخْتَلَسَتْهُ عيناه.
الهموم التي لا تَقتل تَمُدُّ حَبْلَ العُمر، الهموم التي لا تَكسِر تزيدُنا صلابةً، الهموم التي لا تُؤَجِّلُ مَوسمَ الذبول تُعَجِّلُ بأوان قَطْفِ الورد، الهموم التي لا تَحفظُ للقامة شموخَها قد تَدُلُّكَ على الطريق إلى وقار الحكماء رغم الشيب والانحناء، الهموم التي تَحفر حفرةً تحت العين قد تَفتح المجال لِانْغِرَاسِ غَمَّازَتَيْن..
سُئِلَ حكيمٌ مَرَّةً عن هذه الهموم التي تَجلد الذات، ذات الإنسان، فقال مُجِيبا: ما لم تَأْتِ أنتَ به إلى الحياة ولَنْ يَذهب معكَ بعد الموت لا جَدوى مِن أن يَشغلَكَ ويَسرق منك وقتَكَ.
مِن التفاهة أن نُعطي همومَ الحياة حجما أكبر مما تَستحِق، فكُلّ ما تُفكر فيه اليومَ لن يُساوي شيئا يُذْكَرُ في ميزان الغد، الغد القريب الذي لا نَدري إذا كان سَيُسْقِطُكَ مِن حقيبة دفاتر الأرواح التي يَتَأَبَّطُها ما أن يُناديكَ الأَجَل.
عِشْ حياتَك كالطائر الطليق الذي يَكْفِيه زَهْواً أن يُمَنِّيَ نَفسَه بموعد مع الحَبّ تاركا أمرَ الرزق لِمَوْلاه، كُن صوتَ قلبِكَ الْمُسَبِّح نَبْضاً باسم الله، كُنْ أنتَ أنتَ عبدَه الفارغ مِن سِواه، قُدْ عَرَبَةَ أعمالِكَ إلى أقصى نُقطة عُبور تُبَيِّضُ وجهَك، اِشْقَ في الدنيا تَحظ بالراحة في الآخِرة، فما سُمِّيَت الدنيا سوى لأنها لا تَستحق منكَ عناءَ أن تَهتمَّ بها أكثر مما يَنبغي، وعَجِّل بإنجاز ما يَنبغي.
نافِذَةُ الرُّوح:
«في مِرآة الحُبّ، جَمال تَراهُ يَقول لِجَمال: ما أحلاك!».
«في مِرآة الزمن، تَرى الأنثى تَقرأُ قصيدةَ رِثاء تَتَرَحَّمُ على عَرْشٍ رَحَلَ وإِمَارَةٍ سَقَطَتْ».
«في مِرآة الحُزن، نَهْرُ دموعٍ تَراهُ يَعْبُرُ الروحَ بين ضِفَّتَي الروح [القلب والعينين]».
«في مِرآة الصراحة، تَرى حجارةَ المجنَّدين للإيقاع بكَ تَرشق قلبَك فَتُصيب عيونه».
«في مِرآة الغيرة، الصديقاتُ تَراهُنَّ يَسْرِقْنَ وَردا لم يَكُنْ لَهُنَّ ويَزْرَعْنَ في الطريق الأشواكَ».
«في مِرآة الانتقام، تَوَقَّعْ أن تَرى مِنَ المرأة ما لا تَتوقعه مِنْ رَجُل».
«في مِرآة الشَّرَف، تَرى كَمْ ستَبْحَث عن أَهْلِه كما تَبحث عن إبرةٍ سَقَطَتْ سَهْواً في قَشّ».
بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
08/03/2018
3067