+ A
A -
لا أحد يعرف ما هي غاية من توجه بسؤال خاطف إلى الرئيس الروسي بوتين قبل أيام خلال منتدى روسي للإعلام، ويقول هذا السؤال: ماذا كنت تود أن تكون لو لم تكن رئيساً لروسيا؟، بوتين من جانبه حاول التملص من الإجابة بقوله إنه لا يود الاطلاع على مستقبله الغيبي، ولكنه اضطر بالنهاية إلى الإجابة بقوله: إنه كان سيمارس العمل الإبداعي لو لم يترأس الحكم في بلاده، وبذلك انضم بوتين إلى حشد كبير من القادة والحكام في العالم، السابقين والحاليين، تستهويهم الكتابة، وبالخصوص كتابة الروايات، حتى أن بعضهم وجد وقتاً، وهو في سدة السلطة، وفاجأنا برواية أو كتاب من تأليفه، وأحياناً بقصائد شعر..
غير أن الرؤساء الروائيين أكثر عدداً من الرؤساء الشعراء، ربما لان أريحية الشعر ومقتضيات إبداعه لا تتشكل أو تستولد في عقل يحترف السياسة ويغرق في تكتيكاتها صراعاتها، فالشعراء يأنفون الاشتغال بالسياسة، والسياسة تتقاطع مع عوالم الشعر، وغرم سياسيون وحكام بالرواية، انتج لنا عدداً من الروايات التي ألفها رؤساء عرب، على الرغم من أن الرواية سرد نثري طويل يحتاج إلى وقت لبناء وتركيب علاقات افتراضية بين شخوصها، وهو ما يحتاج إلى خيال لرسم ملامح هذه الشخصيات قبل تسطيرها على الورق، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في صدارة الزعماء العرب الذين كتبوا الرواية، فكتب يومياته عن حرب فلسطين في العام 1984 ونشرتها له مجلة مصرية، كما كتب أيضاً رواية: «في سبيل الحرية»، وكتب القذافي خاطرة: «الفرار إلى جهنم»، حيث سجل فيها همومه السياسية قبل أن يزيحه شعبه بعد حكم كان قد طال أمده، أما الرئيس العراقي صدام حسين فكتب: «القلعة الحصينة» التي تدور حول زفاف بطل عراقي مؤجل، ممن شاركوا في الحرب ضد إيران، على فتاة كردية، كما كتب رواية: «زبيبة والملك» التي أكدت المخابرات الأميركية أنه كاتبها، وهي عبارة عن قصة حب عن حاكم قوي حكم عبر تاريخ العراق وفتاة جميلة من عامة الشعب تدعى زبيبة، ويقال إن هوليوود أنتجت فيلماً عن هذه الرواية، ولكن تبيّن لاحقاً أن هذا الأمر غير صحيح، وكتب أيضاً صدام حسين رواية: «اخرج منها يا ملعون»، ويقال إن بلدين آسيويين هما اليابان وتركيا قد ترجما هذه الرواية إلى لغتيهما بعنوانين مختلفين وبيعت منها آلاف النسخ في هذين البلدين.
لكل ذلك لن يكون الرئيس بوتين هو أول أو آخر من يكتب إبداعاته بعد انتهاء دوره في روسيا وخلوده إلى تقاعد، وتبحث في أسباب هواية سياسيين كتابة هذا الجنس الأدبي المرهق في كتابته فلا تجد إلا تخمينات وتقديرات، منها تشفير الواقع الحقيقي بآخر متخيل وافتراضي، واختيار نهاية مرئية لهذا الواقع المتخيل، ومنها أيضاً الهروب من ضغوط السياسة إلى متعة الكتابة، ومنها كذلك الإفصاح عن أسرار تقدم مغلفة قبل أن تدفن مع صاحبها، أو التواصل مع جمهور يقرأ الأدب ولا يحفل بالسياسة أو السياسيين.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
13/03/2018
1768