+ A
A -
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مذكراته:
لقد صرتُ معلمًا في الابتدائية، ومدرسًا في الثانوية، وأستاذاً في الجامعة، وما ذهبَ عن نفسي الضيق بالمدرسة والفرح بالخلاص منها، والأنس بيوم الخميس واستثقال يوم السبت، وما ذهبتُ إلى المدرسة أو الجامعة مرةً إلا وتمنيتُ أن أجدها مغلقة، أو أجد الطلاب قد انصرفوا منها، والدروس معطلة فيها!
لأول مرةٍ أقتبسُ شيئًا لأبدأ به مقالًا وأنا أهتم بصاحب الاقتباس أكثر من الاقتباس نفسه!
فالكلام عادي جدًا صياغة وفكرة، يمكن لأي كان أن يصوغه، والفكرة لا تحمل جديدًا، إنها شيء يردده الطلاب من أول يوم يدخلون فيه إلى المدرسة حتى يتخرجوا في الجامعة! ولكن أن يأتي الكلام من شيخنا وأستاذنا علي الطنطاوي، الرائع صياغة، العذب لسانًا، الدمث أخلاقًا، الحلو أفكارًا ومعتقدًا، فهنا بيت القصيد!
أجمل شيء في علي الطنطاوي هو أنه إنسان صريح وواقعي، يخبرك بما يجول في خاطره دون خجل أو مواربة، أشياء تجول في خواطرنا جميعًا وقد نجد حرجًا في الحديث عنها، بالمناسبة فإن الرائع مصطفى محمود رحمه الله كان يفعل الأمر نفسه، إذ تجده يخاطب فيك الإنسان، يلمسك من الداخل بغرائزك وأمانيك وهواجسك وعواطفك ومخاوفك، وشكوكك، يحاول دائمًا أن يذكرك أنكَ إنسان في عالم يعجُّ بالمثقفين والكُتَّاب الذين يريدون منكَ أن تكون ملاكًا!
عندما نقول إننا نُحب العطلة فهذا لا يعني أننا نكره العمل، ونشتهي أن نعيش على هامش الحياة، على العكس تمامًا، نحب العمل، ونتفانى في وظائفنا، ونجد أنفسنا فيما نقدمه أكثر مما نجد أنفسنا فيما نأخذه، ولو أعطانا أحد مقدار ما نحصل عليه من مال من أعمالنا مقابل أن نجلس في بيوتنا ما رضينا، ولكن نحن بشر، نكره القيود، ونحب الراحة، نضيق بالرتابة والروتين اليومي، لماذا علينا أن ندعي المثالية التي هي في أغلب الأحيان فيها انتقاص من إنسانية الإنسان!
عندما نقول إننا نحب المال فلا يعني أننا نعبده! ولا يعني أننا نبيع كل شيء مقابل الحصول عليه، هذا لا يعني إلا شيئًا واحدًا فقط، هو أننا نعرف قيمته وأهميته، ونكره ذل السؤال ومرارة الحاجة، ولو تأملتَ في حال المثاليين الذين يقولون لك إن المال وسخ الدنيا لوجدتَ أغلبهم يلهثون وراءه، ولكنها المثالية أحد أكثر الأمراض النفسية التي يعاني منها الناس!
عندما نقول إننا نحب الصحة والعافية، فلسنا نسخط على الله إذا جاء المرض، نحن لا نزيد على أن نقول إننا نحب أن نكون بخير فقط! لا أفهم لماذا يريدون منا أن نكون ملائكة!
لا أفهم أين المشكلة في أن يحب الإنسان العطلة، ويرغب الشاب بزوجة جميلة، والفتاة بزوج وسيم، والزوجة ببيت مريح، ورب الأسرة بسيارة فارهة، أين المشكلة في السعي لوظيفة مرموقة ومرتب أعلى، لا أفهم لماذا يريدون أن يقتلوا فينا الإنسان ولا ينفكون يرددون: الدنيا زائلة، فلتذهب الدنيا إلى الجحيم وتزول، ولكنها على أية حال لن تبقى إذا ألغوا أيام العطلة، وأُجبر الشاب على فتاة لا يريدها، والفتاة على زوج لا ترغب به، لا تكونوا مثاليين.. كونوا بشرا فقط.. وهذا شيء عظيم جدًا!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
15/03/2018
3972