+ A
A -
لم يشكل إعفاء ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي، من منصبه مفاجأة صادمة لأحد، خصوصا لمن يتابعون الشأن الأميركي. فقد تحدثت تقارير إعلامية مختلفة، ومنذ ما لا يقل عن أربعة أشهر، عن «خطة لإزاحة تيلرسون» بل وعن نية لاستبداله تحديدا بمايك بومبيو، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية. صحيح أن سارة ساندرز، المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض، نفت في حينه تلك التكهنات ووصفتها بأنها «عارية تماما عن الصحة»، غير أن الخلافات التي كانت قد بدأت تطفو على السطح بين الرئيس ترامب ووزير خارجيته حول عدد من الملفات الحساسة، راحت تتفاقم إلى الدرجة التي أصبح فيها خروج تيلرسون من إدارة ترامب مسألة وقت.
المفاجأة الحقيقية في هذا الموضوع تتعلق بشكل وطريقة إخراج الحدث أكثر مما تتعلق بأسبابه ودوافعه. فحين يقرر رئيس دولة عظمى، يفترض أنها تتمتع بنظام ديمقراطي يدار وفق قواعد مؤسسية، التخلص من مسؤول سياسي على هذا المستوى، يتوقع أن يكون تصرفه أقل خشونة وأكثر لباقة ومراعاة للمشاعر الإنسانية. إذ كان بمقدور ترامب، على سبيل المثال، استدعاء تيلرسون أو التحدث إليه تليفونيا على الأقل، وذلك لإبلاغه بالقرار الصعب والتشاور معه حول طريقة إخراجه وإعلانه. غير أن ترامب تعمد اللجوء إلى أسلوب الإقالة، وأعلن قراره عبر تغريدة من عدة أسطر نشرها على حسابه الشخصي في موقع تويتر، الأمر الذي أجبر تيلرسون على قطع جولة رسمية كان يقوم بها لعدد من الدول الإفريقية استهدفت إصلاح ما أفسده ترامب نفسه، وهو تصرف رأى فيه كثيرون إهانة ليس فقط لشخص وزير الخارجية وإنما للنظام الأميركي الذي بدا وكأنه لا يختلف في جوهره كثيرا عن النظم السياسية في أكثر دول العالم تخلفا واستبدادا.
إذا نحينا الجوانب الشكلية لهذا القرار، والتي تفصح عن التركيبة الشخصية والنفسية للرئيس ترامب بأكثر مما تفصح عن تقاليد الياسة الأميركية، وحاولنا التركيز على دلالاته وتأثيراته المحتملة على السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة المقبلة، فسوف نجد تباينا كبيرا في المنطلقات والرؤى والتحليلات. فمن قائل بأنه يعكس عمق الصراع المحتدم بين ترامب و«الدولة الأميركية العميقة»، وهو صراع يبدو أن ترامب قرر أن يخوضه حتى النهاية وأصبح أكثر تصميما من أي وقت مضى على تحقيق النصر فيه، ومن قائل إنه يعكس نفوذ أوساط مالية وتجارية بعينها تبدو مرتبطة عضويا بشبكة المصالح الخاصة بترامب وعائلته، ومن قائل إنه يعكس نفوذ تيارات أيديولوجية متطرفة معادية لإيران وللإسلام السياسي وتتسق تماما مع التوجهات السياسية والفكرية لترامب نفسه.. الخ.
لكن أغرب هذه الرؤى وربما أكثرها سذاجة، في تصوري، هي تلك التي ظهرت في بعض وسائل الإعلام العربية أو طرحتها أقلام عربية راحت تصور إقالة تيلرسون وكأنه أحد إفرازات أزمة حصار قطر وجاء بطلب مباشر من دولتي الإمارات والسعودية.
لا يوجد في تقديري عامل واحد يفسر قرار إقالة ريكس تيلرسون في هذا التوقيت وبهذه الطريقة المهينة، والأرجح أنه نتاج مجموعة مركبة من العوامل، بعضها يتعلق بالتركيبة النفسية والمزاجية والانفعالية لشخصية ترامب نفسه، وبعضها الآخر يتعلق بعوامل موضوعية تدفع ترامب نحو الهروب إلى الأمام من مشاكله الداخلية باتخاذ مواقف أكثر تطرفا وراديكالية على الصعيد الخارجي. ولأن حرص ترامب الشديد على المصالح الإسرائيلية وعداءه الشديد لكل ما يمت للإسلام السياسي بصلة هما أوضح ما يميز منظومة ترامب الإدراكية وقناعاته الأيديولوجية، يبدو لي أن قراره بتنحية تيلرسون يمهد لقرارات أكثر خطورة، في مقدمتها إلغاء الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي في مايو القادم، ومنح ضوء أخضر لإسرائيل إن هي قررت القيام بعمل عسكري ضد حزب الله، حتى ولو خاطرت بإشعال حرب إقليمية. ولأن إضعاف محور إيران- سوريا-حزب الله من شأنه تقويض الطموحات الدولية والشرق أوسطية لروسيا البوتينية، ويسعد في الوقت دولا عربية ما تزال قابلة للمزيد من الابتزاز والاستحلاب، لا أستبعد أن يكون ترامب قد قرر المغامرة بضرب عدة عصافير بحجر إسرائيلي واحد!!.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
22/03/2018
2213