+ A
A -
يَكبر الإنسانُ، وتَصغر كلمتُه.. يَتَّسِعُ بحرُ الأحلام، ويَضيق تحقيقُها.. يَدْنُو حَبْلُ الأمل، ويَتعذر التعلق به.. تَنام أنتَ حقيقةً لِتَستيقظَ على وهم.. تَبيعُ نَفْسَك لشيطان الأيام، فتَعمى، وتَحْلب الظلامَ.
زارع الشوك يَكفر بعبق الورد، وناثر الريح يُكَذِّبُ دهاءَ مكنسة المطر، وطالبُ المستحيل لا يُجَرِّبُ القفزَ على سُلَّم فلسفة الممكن، وأنت الهارب مِن خيمة الظروف التي لا تُرْضِيكَ، إلى متى، إلى متى تنتظر مَن لا تُعْطِيه ويُعْطيكَ؟!
كم مرة يَخُونُكَ الجيب، جيبُك المثقوب، ذاك الذي لا يَحتفظ لِغَدِكَ بفلس، فإذا بك تَقول للقلب، قلبك المغلوب: «نَمْ يا صغيري، فمازال أمامك مُتَّسَع من الوقت لِتَحطب مِن غابة الحُبّ ما يَكفي لتدفئة القادِم مِن أيَّامك الباردة».
كلما سَقَطَتْ مِن حقيبة رغباتك المهزومة رغبةٌ محمومة تراك تَفتح فمَك للصراخ، تَركضُ صرختُك المجنونة وتَركض باحثة لها عن باب، لكنها تَصطدم بأسنانك التي لا تَترك لها مجالا للتسلل هاربة، فخَلْفَ كل باب بابٌ، وبين باب وبابٍ يوجَدُ باب.
ولأن صرختَك مصابة بضمور العضلات أكثر مما تَجتهد هي محاوِلةً الانفلات، فإنها تَدخل في سباق ماراثوني مع الزمن، وإذا بصرختك بالكاد تَهدّ جدارَ سِنٍّ أو ناب لِتواصِلَ أنتَ رحلةَ العذاب.
تُرهِقُكَ الصرخة، إنها تلك الصرخة التي ما أن تُعَبِّدَ طريقَها إلى ما وراء أسوار فَمِكَ حتى يَرحلَ زمن الفتوة والشباب.. تَتَحَرَّرُ صرختُكَ ما أن تَسقطَ أسنانك تباعًا، لكن ما عساك تَفعَل بمستقبَل صرختِك حينها؟!
رحلة العذاب التي خُضْتَها طَمَعاً في فَتْحِ بابٍ تُكَلِّفُكَ خسارةَ زجاجة نفدَ عطرُها، والصرخة التي تَكتمل في وقتٍ متأخر أو بعد فوات الأوان لا جدوى من أن تَأتي.
بين الصرخة العاتية والصرخة المنهارة موسمُ سُقوطٍ أنتَ في غِنى عن أن تَلعبَ فيه دورَ البطولة، فلكل شيء نهاية، والأشياء التي لا تَأتي في وقتها سَتُعَلِّمُكَ الزُّهْدَ في البداية.
البدايةُ التي لا تَعِدُ بنجاح تَعَلَّم منها درسَ العودة إلى أول السطر، والخطوة التي تُلْهِيكَ عن أن تَنتبهَ إلى توازن قدميك وحدود إمكانياتهما سَتُذَكِّرُكَ بالمقلب الذي شربَه الغرابُ وهو يُقَلِّدُ مشيةَ الطاووس.
أَعِد النظرَ وأنتَ تَطلع نخلةَ السنين، فحين تَنضج ثمارُها ويتأخر موعدُ قطفِها سيَأكلها لا محالة طائرُ الحظِّ العاثر الذي يَتصَيَّدُ الفرصَ الذهبية.
لا تَخْسَرْ نفسَك، وأَنْقِذْ مشاعرَك مِن الإحساس بأنك فاشل في الحياة، فمهما اجتهَدَتْ أيادي الزمن لِتَلوي ذراعَك كُنْ أذكى مِن ألاَّ تَبْتَسِمَ في وجه الآتي لِتُبَدِّدَ لذةَ انتصار الزمن عليك.
مع كل عثرة أنتَ تُعَدِّلُ بنداً في قانون النجاح الذي تَتَّخِذُه سراجاً وأنتَ تَعبر شوارعَ العمر. لا يهمّ كَمْ مرة أنتَ تَسقط، الأهَمّ كيف أنتَ تَنهض مُجَدَّداً لِتَمضي واثقَ الخطوة.
بعد كل تجربة سقوط، ستُضيف إلى رصيدك مِن أحذية الخبرة حِذاءً جديداً يُدَرِّبُ قدَمَيْكَ على أن تَكونا أكثر مُرونة. هكذا هي الحياة، مثل الوردة، لا تَترككَ تَنعم بعبقها وملمسها الليِّن إلا بعد أن يُسَجِّلَ شوكُها إمضاءَه.
نافِذَةُ الرُّوح:
«كَمْ يَلْزَمُ قَلَمَ الرغبةِ مِن أُصْبُع شَقِيّ لِيُعِيدَ رَسْمَ خريطة الحُبّ!».
«تَراني غابةَ أشواق، وأراكَ عُودَ ثقاب.. ماذا يَنقص لِيَكتملَ الْمَشْهَد؟!».
«تَحَرَّرْ مِن قميص الرغبة إن كان سَيَقُودكَ إلى الحياة في الظِّلّ».
«بَيْنَ ريشة التَّمَرُّد وورقة الصمت عناقٌ مُؤَجَّل».
«بَيْنَ صرخة تَقتلكَ وصرخة تُحْيِيكَ قصيدةُ دموعٍ وحَبْلُ انتظارٍ».
«سَأُجَرِّبُ حذاءَ المنطِق حتى لا أَخسرَ أُنُوثةَ قَدَمَيَّ».
«كُلَّمَا تَخَلَّفْتُ عن السِّرْبِ شَدَّ الحَبُّ والحُبُّ طَريقَهما إِلَيَّ».

بقلم : د.سعاد درير
copy short url   نسخ
12/04/2018
3125