+ A
A -
لم يستغرق مؤتمر القمة العربية الذي عقد يوم الأحد الماضي في مدينة الظهران سوى سويعات قليلة كانت بالكاد كافية لعقد جلستين، واحدة افتتاحية تحدث فيها قادة الدول أو رؤساء الوفود أمام الكاميرات لتسجيل مواقف بلادهم المعلنة من القضايا الإقليمية والدولية التي يرون من المفيد طرحها أمام الراي العام، والأخرى ختامية، لتلاوة بيان يفترض أن يعكس الموقف المشترك للدول العربية مجتمعة من مختلف القضايا المدرجة على جدول أعمال المؤتمر.
وفيما بين هاتين الجلستين، لم يكن هناك على ما يبدو متسع من الوقت لأي مناقشات جادة أو تبادل للرأي بين القادة العرب مباشرة حول سبل معالجة الأزمات المحتدمة داخل أو بين بلدانهم. فما دلالات تلك العجلة؟
دلالتان يمكن، في تقديري، استخلاصها من تلك العجلة:
الدلالة الأولى: أن مجرد انعقاد المؤتمر كان هدفا مرجوا في حد ذاته، بصرف النظر عما قد يصدر عنه من بيانات أو ما يتخذه من قرارات وتوصيات
الدلالة الثانية: أن كل شيء كان جاهزا ومعدا سلفا ولم يتبق سوى حضور القادة لالتقاط صورة مطلوبة يراد بثها إعلاميا على أوسع نطاق ممكن.
فكلمات القادة ورؤساء الوفود تعبر عن المواقف الرسمية لدولهم ولا تلزم أحدا سواهم، أما البيان الختامي، والذي يفترض أن يعكس الموقف المشترك للدول العربية من قضايا المنطقة والعالم، فلا يحتاج سوى حد أدنى من مهارات الصياغة اللغوية اللازمة لصك العبارات التي لا تقول شيئا ولا تحرج أحدا، وقادرة في الوقت نفسه على الإيحاء بأن العالم العربي ما زال موجودا وقادرا على الحركة والفعل، بدليل نجاحه في عقد مؤتمره السنوي المعتاد على مستوى القمة وصياغة بيان مشترك يتحدث عن مركزية القضية الفلسطينية وعن الأمن القومي العربي.
صحيح أن القادة العرب، سواء من شاركوا في هذا المؤتمر أو من تغيبوا عنه، هم أول من يدرك أن أوضاع العالم العربي ستظل بعد المؤتمر مثلما كانت عليه قبله لأن سياساتهم بعد المؤتمر ستظل مثلما كانت عليه قبله، لكنهم ربما يشعرون بأنهم قاموا بتأدية ما عليهم من واجب، حتى ولو أخذ صورة تقديم العزاء لأنفسهم وربما للأخرين ايضا!!. لذا يمكن القول أن قمة الظهران كانت «قمة ذر الرماد في العيون»، إذا ما أردنا وصف ما جرى في جملة واحدة مفيدة.
كان لافتا للنظر حرص الدولة المضيفة على إطلاق اسم «قمة القدس»، كما كان لافتا للنظر أكثر حرص الملك المضيف على أن يعلن في كلمته الافتتتاحية التزامه برصد 150 مليون دولار لدعم مشروعات الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس و50 مليون دولار لمساعدة وكالة غوث اللاجئيين الفلسطينيين على تجاوز أزمتها المالية الناجمة عقب قرار الولايات المتحدة الأميركية حجب مساهمتها المالية في ميزانية هذه الوكالة. ورغم اعترافنا الكامل بأن هذه المساعدات تستوجب تقديم الشكر للجهة المانحة، خصوصا وأن المملكة العربية السعودية ليست ملزمة قانونا بتقديمها، إلا الأمانة تقتضي الاعتراف بأنها مجرد رسائل رمزية لن تغير من الأمر الواقع شيئا، ويبدو أنها صممت خصيصا للتغطية على ما يحاك من مؤامرات ضد القضية الفلسطينية عموما، وضد مدينة القدس على وجه الخصوص. فإطلاق اسم «قمة القدس» على هذا المؤتمر لن يثني الولايات المتحدة عن قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل اليهودية ولن يحول دون نقل سفارتها إليها، والالتزام بدفع 50 مليون دولار إضافية للأونروا لن يحل قضية اللاجئيين الفلسطينيين أو حتى يساعد الوكالة على التغلب على الصعوبات المالية التي تواجهها، في وقت تلقي فيه الولايات المتحدة بكل ثقلها لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا ولمساعدة إسرائيل على فرض تسوية بشروطها للصراع العربي الإسرائيلي تحت غطاء «صفقة القرن».
قد يتساءل قائل: لماذا لا نحمد الله لأن قمة الظهران لم تتحول إلى آلية لتمرير «صفقة القرن»، مثلما اشيع من قبل، لكن التسليم بهذا المنطق ليس له سوى معنى واحد وهو أن الشعوب العربية بلغت من الكمد وتوقع الأسوأ حدا جعل حال لسان يلهج بذكر الله قائلا «اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه».
بقلم: حسن نافعة
copy short url   نسخ
19/04/2018
2556