+ A
A -
قرأتُ البارحة أن كثيرين يعتقدون أنّ «مالكوم ميت» ربما يكون أسعد إنسان في العالم، والسبب أن «مالكوم» أُصيب بسكتةٍ دماغية تعافى منها عام ألفين وأربعة. ولكن هذه السكتة الدماغية تركت وراءها مضاعفات أبرزها أن مالكوم لم يعد يشعر بالحزن أبداً، حالته أشبه ما تكون بالأعمى الذي لا ينزعج من الأضواء الساطعة إذا سُلطت عليه لأنه ببساطة لا يراها، وهكذا «مالكوم» إن الأجزاء المسؤولة على التقاط الحزن في دماغه معطلة فهو لا يستطيع أن يتفاعل مع الحدث ويحزن!
لا أعرف إن كان أحداً منكم يوافق على تصنيف «مالكوم» من السعداء، كونه غير قادر على الحزن!
شخصياً أراه إنساناً تعيساً جداً، لا لأني «مازوشي» والعياذ بالله، ولكنِّي أُميِّز بين الأفعال الإرادية والأفعال غير الإرادية، فمثلاً أحترم الإنسان الذي يعفو ولكن العفو لا بد له من مقدرة على العفو أولاً، والذي يعفو عن عجز منه عن الانتقام إنما هو ذليل في ثوب العَفُوِّ!
كذلك لا يمكن أن يكون المرءُ عفيفاً ما دام لا يشتهي، لا يمكنك أن تقول إن فلاناً البالغ ثمانين سنة من العمر لا يسعى وراء النساء بالحرام في حين أنه بالكاد يقدر أن يقوم من فراشه، ما لم يكن الإنسان يدافع نار الشهوة فلا يمكن وصفه بالعفة!
وهذه بالضبط حال صديقنا «مالكوم» إنه إنسان لا يشعر بالحزن لا لأن حياته مليئة بالفرح بل لأنه عاجز عن الحزن أساساً، إنها صفة عجز لا صفة كمال، وإلّا بنفس المنطق أقول لك إنّ فلاناً الأعمى يغُضُّ البصر! أي غض بصر هذا وأنت لا ترى أساساً!
لست أنادي بالحزن ولا أقدسه، أحبُّ الفرحَ والفرحين، وأعرف أن الحزن ما جاء في القرآن إلا منهياً عنه! رغم أن المفردة وردت أكثر من عشرين مرة في المصحف!
ولكن ما أقوله إن الحياة لا تبقى على وتيرة واحدة، إنما هي مد وجزر، إقبال وإدبار، وثمة مواقف يكون الحزن فيها صفة إنسانية لا غنى عنها وما عدا ذلك نقص في الإنسانية! هذا بالطبع مع التأكيد أن الحزن لا يتنافى مع التسليم بقضاء الله وقدره، وهذه الإشكالية يمكن تلخيصها بحادثة وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، يومها قال رسول الله: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الله».
هذا الموقف وأمثاله ما أعنيه حين أقول إن الحزن من كمال الإنسانية وغيابه نقص ومثلبة!
إذا ماتَ «لمالكوم» ابن فسيقف في جنازته كالأطرش في الزفة يرى الحدث ولا يتفاعل معه!
وإذا طُرِد من عمله فسيعود إلى بيته كالمهرج مبتسماً!
إذا زار صديقاً في مرض وليس في عينيه لمحة حزن فأين السعادة في هذا وهل السعادة إلا الإحساس بالآخرين؟!
إذا احترق بيته فما الذي سيفعله أكثر من أن يشعر إن كان يشاهد احتراق منزل في فيلم!
أعرف أن الحزن شعور صعب، ولكن صدقوني ثمة مواقف في الحياة لا يوجد أقسى من أن تحزن تجاهها إلا ألا تحزن!
ودمتم بسعادة.

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
19/04/2018
2225