+ A
A -
ما إن أعلنت وكالات الأنباء العالمية أن كيم جونج- أون قرر وقف التجارب النووية والصاروخية وقام على الفور بإغلاق أحد المواقع المخصصة لإجرائها، حتى بات واضحاً أن زعيم كوريا الشمالية يريد أن يبعث برسالة طمأنة إلى الولايات المتحدة تثبت حسن نيته وتؤكد حرصه على إنجاح لقائه المرتقب برئيسها دونالد ترامب بعد أسابيع.
ورد ترامب على الفور بتغريدة عكست سعادته الغامرة بهذه «الأخبار الطيبة جداً»، مؤكداً أنه «يتطلع بشغف للقمة المرتقبة».. ولأن أحداً لم يتوقع هذا الغزل المتبادل بين أعداء قدامي، فقد ظهرت اجتهادات تصف ما حدث بأنه تحول في موقف كوريا الشمالية أدت إليه قسوة العقوبات الأميركية الأخيرة عليها وخوفها، مما قد يقدم عليه ترامب من مفاجآت، بل إن البعض لم يتردد في تشبيهه بالحالة النفسية التي سيطرة على العقيد القذافي عقب الاحتلال للعراق وإعدام صدام حسين ودفعته لتسليم كل ما بحوزته من برامج تتعلق بأسلحة الدمار الشامل.. غير أنني أعتقد أن هذه الاجتهادات ليست سوى قنابل دخان تهدف إلى التضليل المتعمد والتعمية على المسار الحقيقي الذي بدأت تأخذه الأزمة، وهو مسار أعتقد أنه سينتهي لصالح كوريا الشمالية.
لكي ندرك دلالة التطورات المتلاحقة للأزمة الكورية، دعونا نتذكر إحدى حلقاتها التي شهدت تصعيدا خطيرا عقب الإعلان عن نجاح كوريا الشمالية في إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات وقادر على الوصول إلى الأراضي الأميركية.. فقد استشاط ترامب غضباً، وأطلق تهديداته «بتحويل كوريا الشمالية إلى كومة من تراب» إن هي أقدمت على أي خطوة تمس بأمن الولايات المتحدة، ولم يتردد في استخدام ألفاظ نابية لوصف زعيمها الذي لم يتردد بدوره في وصف ترامب بأنه «رجل أحمق لا يفهم غير لغة القوة»، ومن هنا اعتقاد البعض أن ترامب على وشك القيام بضربة تأديبية ضد كوريا الشمالية، غير أنني استبعدت تماماً هذا الاحتمال وبدت كلماتي في ذلك الوقت وكأنها تسبح ضد التيار حين كتبت قائلاً: «أظن أن كيم جونج أون سيخرج من هذه الجولة فائزا بالنقاط لأنه يمتلك هامشا أوسع للمناورة (راجع مقالنا في صحيفة الحياة اللندنية «دونالد ترامب في مواجهة كيم جونج أون» المنشور في 16-8-2017).
اليوم، واستناداً إلى نفس الأسانيد التي طرحتها آنذاك، أجدني أكثر ميلا للاعتقاد بأن زعيم كوريا الشمالية سيخرج فائزاً أو حتى منتصراً من جولة المفاوضات القادمة على مستوى القمة، حتى لو تم تغليف نتائجها بعبارات مراوغة.. فالبرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية لم يستهدف مطلقا تهديد الولايات المتحدة أو أي من حلفائها، خاصة كوريا الجنوبية واليابان، كما تزعم وسائل الإعلام الغربية، وإنما صمم لحماية نظامها السياسي المحاصر والمهدد بالسقوط عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.. كان بوسع الولايات المتحدة في الواقع تحقيق هذا الهدف بسهولة لو أنها كانت قد نجحت في إجبار كوريا الشمالية على وقف برنامجها النووي والصاروخي في الوقت المناسب، وهو ما فشلت تماماً.
اليوم، وبعد أن أصبحت كوريا الشمالية دولة تملك رؤوسا نووية وصواريخ باليستية قادرة على حملها إلى قلب الولايات المتحدة، لم تعد لديها خشية من التفاوض حول إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، مقابل حماية نظامها السياسي ورفع العقوبات عنها، وربما فتح باب المفاوضات في المستقبل لتحقيق الوحدة بين الكوريتين. وهذا بالضبط هو الهدف الذي ظل زعماء كوريا الشمالية، بدءا بالجد المؤسس وحتى الحفيد الحالي يسعون لتحقيقه.. أظن أنه سيكون بوسع ترامب، المحاصر داخلياً والمهدد بالسقوط، أن يدعي حينئذ أنه نجح في تدمير السلاح النووي لكوريا الشمالية وحقق من ثم ما لم يتمكن أي من الرؤساء الأميركيين قبله من تحقيقه، لعل هذا «الإنجاز» يحول دون سقوطه بدلاً من كيم جونج أون!!
بقلم:حسن نافعة
copy short url   نسخ
26/04/2018
2043