+ A
A -
تقولُ الأسطورة: فتحتْ المرأةُ باب منزلها قاصدة السوق، فرأت في فناءِ منزلها ثلاثة شيوخٍ طاعنين في السن، فقالت لهم: لم أركم من قبل، يبدو أنكم غرباء، ولا بدَّ أنكم جائعون، هلّا تفضلتم بالدخول فأصنع لكم طعاماً!
قالوا: هل ربُّ البيت موجود؟
قالت: لا، في عمله، يعود في المساء.
قالوا: لا بأس، إذا جاء دخلنا!
وفي المساء سألت الزوجة زوجها عمّا إذا كان قد انتبه للثلاثة في فناء البيت، فأخبرها أنه دخل مسرعاً ولم ينتبه، فأخبرته بالخبر، فطلب منها أن تناديهم للدخول وبالفعل طلبت منهم الدخول، ولكن أحدهم قال: نحن لا ندخل معاً، أحدنا يدخل فقط.
استغربت المرأة وقالت: ولِمَ؟
فقال أحدهم: أنا الثروة، وهذا النجاح، وهذا المحبة.. اذهبي واسألي زوجك أيُّنا يدخل!
تناقشت المرأة مع زوجها من عساه يكون ضيفهم، اقترح الزوج أن تدخل الثروة، ولكن الزوجة قالت: ليدخل النجاح فإنه يجلب المال، ولكن الخادمة التي كانت تسمع حوارهما قالت: أقترح أن تأذنا للمحبة، ما قيمة المال والنجاح بدونها؟
وافق الزوجان على اقتراح الخادمة، فخرجت الزوجة وقالت: لتدخل المحبة.
وكم كانت الدهشة عظيمة عندما قام الثلاثة ودخلوا معاً.
فقال الزوج: سمحنا للمحبة فقط بالدخول.
فقالت المحبة: لو سمحتم للثروة أو النجاح لدخل أحدهما فقط، أما وقد سمحتم لي فحيثما وجدت المحبة كان معها الثروة والنجاح!
برأيي تقسم الأساطير من حيث المنشأ إلى قسمين:
قسم يولد من جهل الإنسان وقسم يولد من معرفته!
الإنسان كائن شغوف في تحليل الظواهر والأحداث، وكان دأب البشرية منذ أن استوطنت الأرض أن تعطي تفسيراً للظواهر الطبيعية التي تشاهدها عياناً، فإذا ما انقطعت بها سبل العِلم عزَّ عليها أن تقول أنها لا تعرف! فترخي العنان لجهلها الذي ينسج حول الظاهرة أسطورة. عندما عجز الفراعنة في أرض مصر عن فهم سبب فيضان نهر النيل اخترعوا أسطورة عروس النيل وقالوا: غضبَ النيل ولا بد من استرضائه، فكانوا يعمدون إلى فتاة جميلة يزينونها ويوثقونها ثم يقدمونها له قرباناً ليهدأ! وعندما عجز سكان بلاد ما بين النهرين قديماً عن تفسير ظاهرة خسوف القمر قالوا: إن حوتاً في البحر قد ابتلعه ولا بد من تهديده وإخافته حتى يلفظه، فكانوا يقرعون على الأواني المعدنية حتى يعيد إليهم الحوت قمرهم! ولمّا سطعت شمس العلم عرفنا لماذا يفيض نهر النيل، ولماذا يحدث خسوف القمر، فاندثرت الأسطورتان!
هذا بالنسبة لما يحوكه الجهل من أساطير، أما بالنسبة لما يحوكه العلم أو لِنَقُل المعرفة بتعبير أدق، فثمة أشياء يعرفها الإنسان يقيناً، تماماً كما أن الموت حقيقة لا مفر منها، ولا ينكرها مؤمن ولا ملحد! وقد نشأت أسطورة جلجامش من رحم هذه المعرفة، وكانت رحلة البحث الطويلة عن نبتة الخلود التي تجعل الإنسان لا يواجه حتمية الموت!
وهذه الأسطورة التي بدأتُ بها تنضوي تحت الباب الثاني من الأساطير، أي التي تنسجها المعرفة، عرف الناس أن النجاح بلا محبة ليس إلا فشلاً يرتدي زي النجاح، فلا قيمة للشهادات ولا المناصب ولا الإنجازات ما دام الإنسان حقوداً لا يُحِبُّ ولا يُحَبُّ، ولا يألفُ ولا يُؤلف! ولا قيمة للثروة والذهب والقناطير المقنطرة منه ما لم يجمعه الإنسان بنبل وينفقه بنبل!
وكما تقول الأسطورة: قد يدخل النجاح وحده، وقد تدخل الثروة وحدها، ولكن متى ما دخلت المحبة كان النجاح والثروة رفيقيها، فانجحوا، واغتنوا، ولكن لا تنسوا أن تُحبوا!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/04/2018
3111